كنت ومازلت اتصور أن الخلاف حول ثورة يوليو خلاف بين أجيال عاشتها أو عاشت أحلامها أو اقتربت منها.. وكنت أظن أن الاجيال الشابة لا تعرف الكثير عن ثورة يوليو ولكن هذه الرسالة حملت لي دلائل اخري انها من شاب في بداية العشرينيات من عمره فلا هو عاش أيام الثورة ولا شاهد انجازاتها وهو أيضا لم يشاهد سلبياتها ولهذا رأيت أن أنشر رأيه.. سيدي الفاضل انني أكتب إليك بمناسبة مرور 55 عاما علي الثورة فأنا في مثل هذا الوقت من كل عام أري الكثير من التهليل والتهنئة بمناسبة الثورة من بعض الكتاب وبعضهم يكتب عن انجازات الثورة وأهميتها وأول هذه التساؤلات هو: هل حققت الثورة أهدافها؟ وما تأثيرها علي هذا الجيل من الشباب وأنا واحد منهم؟ * من الناحية السياسية: هل حققت الثورة هدفها في أن يحكم الشعب نفسه وتداول السلطة بطريقة ديمقراطية أم أن السلطة أصبحت مقصورة علي العسكريين؟ هل ساهمت الثورة في تعدد الأحزاب أم اصبحت مصر بلد الحزب الواحد؟ * من الناحية الاقتصادية: هل أعيد توزيع ثروة مصر فتجد أن هناك فروقا اجتماعية بسيطة بين ابناء الشعب أم اصبحت الثروة في يد فئة قليلة من المجتمع؟ وهل صحيح أن نسبة الاغنياء في مصر 5% أي أن نسبة الفقراء والطبقة المتوسطة 95% من الشعب، هل ساهمت الثورة في أن يصبح لمصر كيان اقتصادي قوي يدعم مكانتها السياسية علي الساحة الدولية "غير تنظيم المؤتمرات"؟ أم أنه تم بيع الكثير من المشروعات والممتلكات العامة للغريب والحبيب لسد العجز الاقتصادي لمصر بزعم رفع الكفاءة الإدارية؟. * من الناحية الإدارية: هل حققت الثورة القضاء علي الفساد كما كان مقررا لها أم أن مصر اصبحت مثل القارب الصغير في محيط الفساد الإداري؟ * من الناحية التعليمية: وقد يطول الحديث في هذا ولكنني سأختصر في عدة اسئلة هل حققت الثورة التعليم المجاني لكل ابناء مصر أم أن هناك تعليما متميزا وتعليما عاديا وجامعات خاصة واخري حكومية؟ وهل أصبح المستوي التعليمي للجامعة يؤهل الطالب للالتحاق بسوق العمل أم أن هناك واقعا مختلفا تماما بين التعليم وسوق العمل؟ هل ساهمت الثورة في احداث طفرة تعليمية أم أن هناك 1661 طالبا حصلوا علي 100% في الثانوية العامة "وعجبي" وأنا متأكد اننا لن نسمع عنهم مرة اخري وان الطالب الذي يحصل علي 96% لا يستطيع الالتحاق بالكلية التي يحلم بها؟ هل ساهمت الثورة في أن تصبح مصر أرضا خصبة للعلماء والبحث العلمي أم أن علماء مصر وجدوا هذه الأرض في دول الغرب ففروا إليها؟ * من الناحية الاجتماعية والثقافية: هل ساهمت الثورة في توجيه الشاب فكريا وثقافيا أم انك تجد نسبة مخيفة من الشباب يتعاطون المخدرات وأصبح من لا يتعاطي متخلفا ورجعيا؟ هل ساهمت الثورة في توجيه الثقافة الاخلاقية للشعب المصري أم انك تجد الهرج والانهيار الاخلاقي هما الاصل وان النظام والاخلاق الكريمة اصبحت شيئا غريبا؟ هل ساهمت الثورة في وجود الكثير من فرص العمل للشباب ومساعدتهم علي الزواج أم أن البطالة وارتفاع نسبة الطلاق والفتيات التي يمر العمر بهن ويضيع حلمهن في الزواج اصبحت السمات السائدة في المجتمع؟ سيدي الفاضل أنا لست ضد الثورة ولا التقدم والبناء فانني اتذكر منذ عدة سنوات مشروع توشكي والضجة الإعلامية حوله فوقتها لم أكن أدرك ما هذا ولكنني شعرت بأن هناك شيئا عظيما يحدث في مصر والآن أدركت أنه كان سرابا يتحدث عنه البعض الآن من الحين للاخر علي استحياء وأتذكر أيضا عند اطلاق القمر الصناعي المصري الأول وانني قررت السهر حتي اشاهده في التلفاز لشدة فرحي بهذا الانجاز الذي ساهم بعد ذلك في نقل العراك السياسي والديني ونقل صور المنافقين والمتخلفين إلي البيت المصري الذي اصبح يعاني من ثقافة التخلف. واخر تلك الاسئلة التي دارت بذهني ما هي الثورة؟ هل الثورة قيام مجموعة من الاشخاص بحجب السلطة عن الحاكم الفاسد المستبد؟ أم أن الثورة هي العجلة التي تدفع النظام السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي والاجتماعي إلي الامام لا إلي الوراء وهل الثورة المصرية مثل الثورة الفرنسية التي دفعت بفرنسا إلي ان تمتلك عددا من مراكز البحث العلمي في فرنسا وحدها أكثر من نظيرها في الوطن العربي كله؟ أود أن أقول في نهاية رسالتي إنه إذا كانت الثورة بالنسبة لجيلكم هي الفخر والنصر فانها بالنسبة لجيلنا خيبة أمل. د. منذر صالح صيدلي