كان توقع قويا صاحب انتخاب جورج بوش في عام 2000 رئيسا للولايات المتحدة أن يكون حكمه عصرا ذهبيا لازدهار التفاهم والصداقة والتعاون بين العسكريين والمدنيين في البنتاجون ولاحظ المراقبون أنه في حملته الانتخابية رفع شعارا خاصا لاغواء العسكريين. "النجدة العسكرية في الطريق إليك" إلا أنه كسب أصوات القوات المسلحة دون أن يحقق للجنرالات ما وعد.. بعد 8 سنوات من إهمال كلينتون للعسكرية الأمركية برمتها ورغم إنذار بوش وتحذيره في إحدي خطبه الانتخابية ان القوات المسلحة فقيرة في تشكيلاتها.. ومرتباتها وروحها المعنوية لئن دعاها القائد الأعلي الآن للحرب فإن الأكيد أن تتخلف تشكيلات كثيرة من مختلف الأسلحة بدعوي "لسنا جاهزين لاداء الواجب". وبالتضاد والتناقض مع هذه الخلفية البيئية بدأ بوش رئاسته مثقلا بأجندة عسكرية محملة في خطاب له بالقلعة في الأيام الأولي لرئاسته كشف الخبيء "سوف أفرض علي القوات المسلحة تفكيرا عسكريا جديدا وخيارات صعبة من سبقونا لم يقودوا العسكرية الأمريكية لكننا سوف نفعل".. وكان هذا نذيرا عن إعلان الحرب علي الإرهاب الدولي. وبدأ دونالد رمسفيلد وزير الدفاع الاحتشاد للحرب وتحقيق ما اسماه "الثورة العسكرية" لكنه لم يثق في العسكريين من حوله، أدواته ووسيلته لتحقيق هذه الثورة وساءت علاقاته بالقيادات العسكرية والضلوع الرئسية من زعامات الكونجرس وسري حدس بين المراقبين السياسيين يتنبأ بأن رمسفيلد سوف يكون أول خسائر الإدارة الأمريكية في الصراع الأمر الذي تحقق بالفعل تاليها.. وكان. هجمة مانهاتن والمراحل الأولي الفاشلة من الحرب في افغانستان أجبرت رمسفيلد علي عقد هدنة مؤقتة مع القيادات العسكرية لكنه عندما أعلن بوش أن الجبهة التالية للحرب هي العراق استاء الجنرالات وتحفظوا ضد هذه النقلة الاستراتيجية للحرب المتباعدة عن مسارها.. ابدي رمسفيلد ونائبه بول ولفويتز قليلا من الندم ووخز الضمير لتدخلهم في التفاصيل العملياتية الصغيرة لحرب العراق عدد القوات المطلوبة.. شكل الانتشار ومراحله إلي غيره من دقائق الحرب التي أطلقوا عليها تسمية عسكرية بريئة عملية حرية العراق "OPERATION IRAQI FREEDOM" كان واضحا أن تكلفة الحرب متقشفة وبأدني سعر وتجهيز وقد بدا ذلك جليا عندما رفض ولفويتز بطريقة فجة الامدادات المطلوبة للقوات رغم أن الذي وضع تقديراتها الجنرال اريك شنسكي رئيس أركان الجيش. وفي شهادته أمام الكونجرس فبراير 2003 رفض ولفويتز بطريقة جارحة تقديرات رئيس أركان الجيش الأمريكي التي بين فيها أن الولاياتالمتحدة سوف تحتاج إلي زيادة في عدد القوات مقدارها عدة مئات الألوف لدعم الاستقرار في العراق بعد الحرب وهو الأمر الذي يحدث الآن ببطء شديد وارتباك أشد بين الرؤي القيادية كما سيجيء. خريف العام الماضي أعلن صقور البيت الأبيض أنهم يسلمون الآن بأن القوات الأمريكية في العراق ليس لديها قوات كافية لحماية المناطق المستهدفة لضربات المقاومة بينما أعلن القادة الميدانيون هناك أنهم وصلوا إلي عقيدة راسخة تؤكد أن القوات الأمريكية في العراق جزء من المشكلة وليس الحل! خاصة بعد أن قادت المقاومة مسير الحرب إلي نوع من الحرب الأهلية وتبدلت المسألة تماما بدلا من المطالبة بمزيد من القوات الأمريكية اثناء الاحتشاد للحرب أصبح القادة الميدانيون يطالبون واشنطن الآن بتخفيض عدد القوات وآثار اقدامها علي رمال العراق. الجنرال أبا زيد قائد القوات المركزية وغيره من القيادات العليا كانوا يرون أن زيادة عدد القوات في العراق سوف تكون له توابع مضادة جسيمة انصت له وهو يقول في برنامجه "60 دقيقة" التليفزيوني الشهير "إن أردنا أن نتولي كل شيء في العراق وننفذه بأيدينا هذا أمر سهل لكن ما نفعله قد لا يصادف هوي ورضا عند العراقيين ومن هنا ينشب الاحتكاك حتما والصدام" وفي شهادة له أمام الكونجرس قال الجنرال: "نستطيع أن نضيف إلي قواتنا في العراق 20 ألفا الآن ربما لكن غدا سوف يعترض القادة المدنيون في واشنطن علي أي زيادة في عدد القوات أيا كان حرج الموقف العسكري" يلح علي ذهني سؤال ينطق لماذا أصبحت العلاقات العسكرية المدنية في البنتاجون علي هذا القدر من الانهاك والتهرؤ في عهد جورج بوش؟. اشبعتني الاجابة عن هذا التساؤل شديد الحرج كما جاءت في كتاب جيمس مان صعود آلهة النار "RISE OF THE VULCANS" ملخصها إن شخوص المدنيين في فريق بوش للأمن القومي يحملون اعتقادا قويا بأن إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون فشلت في تقييد عنان القيادات العسكرية ولذلك حرص دونالد رمسفيلد علي أن يكون احكام قبضة وزير الدفاع علي قادة العسكر هي الأولوية الأولي وان كان قد تجاوز في ذلك كل الحدود وقد تناول نائبه ولفويتز هذه الاتجاه بشيء من البجاحة وقلة الاحترام لجنرالات العسكرية الأمريكية بقصد التغلب علي ما توهمه عندهم من ضيق أفق في التفكير وقصور بيروقراطي.