لعل كل ما تمخض عن المؤتمر الدولي حول العراق -الذي عقد في شرم الشيخ واختتم في الرابع من الشهر الحالي- هو دعم الدول المشاركة فيه لحكومة نوري المالكي العميلة اتساقا مع الرغبة الأمريكية بيد أن ما انتهي إليه المؤتمر من مطالبة الحكومة بحل الميليشيات ودعوتها إلي مشاركة جميع العراقيين في العملية السياسية لم ولن يتحقق منه شيء لسبب بسيط وهو أن حكومة المالكي هي التي حمت الميليشيات وهي التي احتضنت فرق الموت وهي التي أقصت طائفة السنة بل وقامت بتصفية الكثيرين منهم وبالتالي فليس هناك أمل في توسيع المشاركة السياسية ولا بحل الميليشيات. شعارات وسراب ما صدر عن مؤتمر شرم الشيخ ليس إلا شعارات تتحدث عن سيادة ووحدة أراضي العراق واستقلاله السياسي وعدم جواز انتهاك حدوده مع الالتزام بعدم التدخل في شئونه بالإضافة إلي لجم الطائفية فكل هذا ليس إلا سرابا ولغوا لأن ما يحدث علي أرض الواقع هو النقيض وإلا فإين هي وحدة أراضي العراق اليوم؟ وأين استقلاله السياسي وعدم التدخل في شئونه ولهذا يمكن القول بأن مؤتمر شرم الشيخ لم يكن إلا مكملة أرادت أمريكا من ورائه تحقيق أهدافها في المنطقة. سيناريو ضد إيران لقد ظهر أن عقد مؤتمر شرم الشيخ لم يكن إلا توطئة لرسم استراتيجية أمريكية تهدف في الأساس إلي حفز الدعم هذه المرة ضد إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي ذلك لأن إدارة بوش لن تستطيع مجابهة إيران إلا بعد الخروج من المأزق الراهن في العراق، ومن ثم جمعت الأطراف الدولية والاقليمية ذات التأثير من أجل تهدئة الوضع في العراق أولا بشكل يسمح لها برسم السيناريو الذي ستتعامل بواسطته فيما بعد مع إيران بهدف وقف نشاطها النووي ومن ثم كان لابد من مؤتمر شرم الشيخ الذي كان بمثابة الطعم لارضاء دول الرباعية العربية والتي تحرص أمريكا علي الحصول علي دعمها في أي سياسة تتخذها ضد إيران. جولة تشيني.. الهدف والمغزي أما الربط بين مؤتمر شرم الشيخ وبين تحديد استراتيجية أمريكية للتعامل مع إيران فتأكد من خلال جولة ديك تشيني للمنطقة والتي بدأها بالعراق وأعقبها بزيارة دول الرباعية العربية الامارات، السعودية، مصر، الأردن. وفي الامارات حرص علي أن يتحدث من علي ظهر حاملة الطائرات "يو اس اس جون سي ستينيس" ويهدد باستخدام القوة ضد إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي فبوش يتطلع إلي ايجاد آلية ومخرج مشرف من مأزق العراق وهو ما يتطلب بعدا اقليميا واستراتيجيا يتعلق بقدرة قوي الاعتدال في العالم العربي علي التصدي للهيمنة الإيرانية وكأن ما يسعي إليه بوش اليوم هو تمهيد الأرضية ورسم سياسة قد تعتمد علي إعادة نشر القوات الأمريكية كما تعتمد علي بناء حلف جديد في المنطقة لمجابهة الخطر الايراني ضمانا لما قد تسفر عنه التطورات خاصة إذا ما اقتضي الأمر مجابهة ايران فلا شك ان أمريكا ستكون في أمس الحاجة الي اعادة هيكلة في المنطقة وتحديدا في دول الخليج تحسبا لأي ردود فعل ايرانية قد تحدث فيما إذا أخذت أمريكا علي عاتقها مهمة وقف المشروع النووي الايراني وبادرت باستخدام الخيار العسكري. لجم الطموح النووي وكأنما أراد بوش بعقد مؤتمر شرم الشيخ حل الاستعصاء الراهن في العراق وتذليل العقبات وترطيب الأجواء من أجل شيوع الاستقرار ووقف العنف والانفلات الأمني قبل تصفية الحسابات مع إيران وبالتالي جاء تشيني الي المنطقة في محاولة لاقناع أطراف التحالف الجديد بضرورة دعم امريكا في كل توجهاتها والبداية المساعدة في نشر التهدئة في العراق ودعم حكومة المالكي وتشجيعها علي اتخاذ خطوات بناء الثقة من أجل مصالحة وطنية ثم والأهم بعد ذلك ضمان دعم الرباعية العربية لامريكا في أية خطوة قد تتخذ ضد ايران للجم طموحاتها النووية. حذاري من أمريكا وما من شك في أنه يتعين علي الدول العربية التي أسمتها امريكا بالمعتدلة ان تتنبه لما تريد إدارة بوش استدراجها صوبه فأمريكا اليوم تبحث عن مصالحها ومن ثم ليس من مصلحة الدول العربية الهرولة وراءها لتحقيق اهدافها ضد ايران ذلك ان أي مجابهة مع إيران سيكون لها مردود سيئ علي المنطقة بأكمالها يحولها إلي برميل بارود هي في غن عنه فالدول العربية هي التي ستضار لاسيما دول الخليج هذا فضلا عن أن أمريكا ليست بالحليف الذي يمكن الوثوق به وبالتالي ليس في مصلحة الدول العربية استعداء ايران والدخول في معترك معها بل ان الدول العربية تدرك اليوم ان هناك فرصة سانحة أمامها للتفاهم المباشر مع ايران في ضوء مؤشرات ايجابية طفت علي السطح مؤخرا ومنها حديث ايران عن مشروع للأمن الاقليمي في المنطقة ومنها الزيارة التي يعتزم أحمدي نجاد القيام بها قريبا الي الامارات العربية والتي ستكون هي الأولي لرئيس ايراني منذ الاطاحة بشاة إيران.