كثيرا ما يتعجب البعض من كتاب وصحفيين متندرين علي أننا هنا في مصر نتمتع في الاعياد باجازات طويلة بعض الشيء، ويتساءلون: كيف يتقدم بلد وحكومته في اجازة لمدة خمسة أيام أو ستة أيام. وكنت ضمن الفريق الذي يلوم نفسه ويلوم غيره علي الاجازات الطويلة، ثم شاءت الظروف ان أكون في العامين الماضيين موجودا لفترات طويلة في رحلات عمل بالولاياتالمتحدة، واكتشفت انهم ينافسوننا في مسألة الاجازات الطويلة، فهذه الايام هناك اجازة الكريسماس، ثم اجازة بداية العام، ثم اجازة الاعياد اليهودية.. واخشي أن أقول ان هناك اجازة للراحة من الاجازة، عرفت ان كل الولاياتالمتحدة تتمتع كل شهر بما يسمي "اجازة اسبوعية طويلة"، والسبب في تلك الاجازات هو تشغيل الطلبة والراغبين في العمل، واعطاؤهم فرصة الحصول علي اجر يتيح لهم الصرف علي انفسهم وتدريبهم علي بعض من مهن المستقبل حتي ولو كانت بيع الملابس في المحال. ومهما قيل عن السياسة الامريكية، فالواقع اليومي هناك يغطي بشكل كبير علي اكبر عيوب الرأسمالية تاريخيا، ألا وهو تقديس الربح فقط، فهم الآن يقدسون مع الربح انسانية الانسان ولو بشكل جزئي، بمعني الحرص علي أن يأخذ العامل حقه كاملا من رعاية صحية يكفلها له التأمين الصحي، ويأخذ رعاية اجتماعية تكلفها له المصانع والجهات التي يعمل فيها. صحيح أن الشركات تحاول في مرحلة من المراحل ان تقوم بتوفير عدد من الوظائف الكبيرة، وصحيح ايضا ان هذه الشركات التي مارست هذه العملية صارت تشكو من حماقة ما فعلت لان الخبرة ان تم اعادة تدريبها تصبح ذات انتاجية مميزة. وإذا كنا نحن في مصر نشكو من أن الشباب يحاول الحصول علي فرصة عمل حكومية، فالغريب أن هذا هو الحال حاليا في الولاياتالمتحدة، حيث يفضل البعض العمل الحكومي، لأنه لا توجد سن للتقاعد فيمكنك أن تعمل حتي يصل عمرك إلي مائة عام، صحيح ان احدا لا يبلغ هذا العمر وهو يعمل، ولكن من الصحيح ايضا ان العديد ممن بلغوا الخمسين في القطاع الخاص يقومون بالبحث عن وظائف حكومية حتي ولو كان أجرها يقل عن مرتب القطاع الخاص، لا لشيء إلا لأن الوزير أو المدير لن يقول لك "خلاص مالكش شغل عندي اتفضل من غير مطرود ولك حقوقك كاملة". والكل يحفظ قواعد العمل وقوانينه بشكل شديد الوضوح، لذلك تنتفي حالة العبودية المستترة الموجودة في كثير من بلدان العالم الثالث. والذي فجر كل ذلك في رأسي هو الاجازة الطويلة التي احترف البعض التنديد بها، علي الرغم من ان العالم كله يرحب بالاجازة بشرط أن يعود الانسان الي العمل وعنده ما يمكن أن ينجزه.