ما هذا التشويه المتعمد الذي نمارسه في صحفنا يوميا ضد أنفسنا وضد بلدنا وضد كل شيء جميل فيها..! لقد قرأت علي أحد مواقع الانترنت عرضا لما تقوله الصحافة المصرية فكان من بين ما قرأته أن المجاعة قادمة في مصر بعد العيد وأن خبراء التغذية العالميون يقولون إن المصريين يأكلون من صناديق القمامة، وتدعو كاتبة موضوع المجاعة إلي أن علينا أن نتعلم أن نأكل الحمير والقطط والكلاب والبرسيم وأعشاب الأرض لأن المجاعة قادمة والجوع كافر..! ولا ندري لصالح من ينشر كلام كهذا، وما هي فائدة النشر وتضخيم الأمور إلي هذا الحد؟ هل الهدف هو إحراج الحكومة أم إحراج المصريين وهل هكذا تكون المعارضة والاختلاف في الرأي والسياسات أم أن هذه مجرد إثارة ومبالغة واستفادة من حرية الصحافة..! اننا جميعا علي قناعة بأن هناك الكثير من الفساد الذي لابد من محاربته، وقلنا من قبل أن الفساد أصبح أو تحول إلي منظومة داخل المجتمع، ونتحدث كثيرا عن القرارت الادارية الخاطئة والتقصير في الأداء الحكومي، وننتقد سيطرة رجال الأعمال علي صناعة القرار من منطلق اختلاط المفاهيم والمعايير بين مصالحهم الخاصة والمصلحة العامة ونعارض بشدة غياب القانون وعدم تطبيقه في الكثير من الأمور وندعو بشكل عام إلي الاصلاح والديمقراطية ولكن هذا كله لا يعني أن نتجاوز حدود العمل المهني السليم ونلقي بالاتهامات والاستنتاجات جزافا وندمركل انجاز في بلادنا ونحبط صاحب كل جهد يبذل، وننهال بالمعاول علي الجميع ونعلن إفلاس البلد وضياعها حتي نثبت وجهة نظرنا في أن الحكومة مخطئة وأنها سبب كل البلاوي..! أن المحصلة النهائية لهذه الصورة القاتمة جدا لا تعني إلا تقليل ثمن مصر والمصريين في الخارج والداخل حيث سيعتقد بعض "الحبايب" أننا نأكل من صفائح القمامة وأننا وصلنا إلي الدرك الأسفل وأن أي شيء سيرضينا مادمنا جوعي وفقراء ومتسولين، وسيقولون أن بلدا بهذه المواصفات لا يمكنه أن يدعي الريادة أو الابداع وأن أي استثمار فيه سيصبح مهددا لأن احتمالات الثورة قائمة والجوعي في كل مكان..! والذين يشاركون في رسم هذه الصورة في صحافتنا قد تكون دوافعهم وطنية ونبيلة من منطلق الغيرة علي الوطن والبحث عن الأفضل لمواطنيه، ولكنهم في ذلك كالدابة التي مثلت صاحبها، فنشر سلبياتنا ومساؤنا علي هذا النحو لا يؤدي إلي إصلاح ولا يشجع علي التقدم بقدر ما يبث فينا شعورا من الاستسلام والتراخي والهبوط السريع إلي القاع..! إننا بقدر ما نري الصورة قاتمة في أحيان كثيرة فإننا يجب أن نمد أبصارنا لجانب آخر في مجتمعنا أكثر اشراقا وأملا فهناك حركة العمران والتشييد الهائلة التي تنشرها مصر في كل مكان والتي تتمثل في مدن عمرانية حديثة وجميلة وفي منتجعات سياحية علي أعلي مستوي، وفي خدمات متطورة لم تكن موجودة من قبل وفي أماكن سياحية عالمية كثيرة لا تحظي بالدعاية الكافية وربما لا يعرف عنها المصريون أنفسهم شيئا..! وصحيح أن هذه المشروعات قد تكون لفئات معينة من القادرين والأغنياء ولكن أليس هؤلاء جزء أيضا من مصر؟ ألا يوجد في كل مجتمع أغنياء وفقراء وهل الحديث لا يحلو إلا عن الفقراء والمطحونين فقط.. ولماذا نقفل أمام هؤلاء أبواب الأمل في تحسين أحوالهم والانتقال إلي طبقة أخري لماذا لا نثير الحلم داخل كل شخص في المجتمع حتي ينطلق إلي أعلي بفهم وواقعية وتطوير لقدراته وتعليمه وامكانياته. إن بالولاياتالمتحدةالأمريكية ملايين الفقراء والمحرومين والمشردين وباستطاعة الولاياتالمتحدة التي تمنح المساعدات لكل مكان في العالم أن تقدم مساعدات مالية لهؤلاء الفقراء المشردين وتجعلهم من الأغنياء ولكنها لو فعلت ذلك لانتهي الحلم الأمريكي حلم الفرد في التميز والابداع ولأصبح الشعب الأمريكي شعبا من "التنابلة" في انتظار دعم الحكومة ومشروعات الحكومة وعطايا الحكومة وتوقف عن العمل والإنتاج..! اننا يجب أن نكون موضوعيين وعقلانيين ومنصفين في انتقادتنا وفي طرحنا لتصوراتنا وأفكارنا فليس معقولا أن حكومة وطنية مصرية مهما كانت درجة كفاءتها ستسمح مثلا بطرح لحوم فاسدة علي المواطنين كما ذكرت احدي الصحف وليس معقولا أن هناك حكومة لا تريد أن تلبي احتياجات مواطنيها حتي تربح وترتاح فقد يكون هناك سوء متعمد في النية.. ومعيار التقييم يجب أن يأخذ ذلك الاعتبار.. ولا داع لأسلوب التهييج والشوشرة.. وكلها 20 يوماً ونعرف حب مجاعة بعد العيد.. وها نأكل البرسيم ولا هانغني احنا كمان للحمار..! [email protected]