كان نموذج التشغيل الامريكي موضع حسد من دول العالم الاخري بسبب قدرته علي ايجاد الوظائف بسرعة تقارب سرعة نمو السكان.. وعلي العكس من ذلك كانت اوروبا القديمة تتجنب ارتفاع معدلات البطالة عن طريق تشغيل الناس في وظائف بيروقراطية لبطء اقتصادها في ايجاد الوظائف.. ولكن هذه الاوضاع كما تقول مجلة "نيوزويك" تغيرت مع بداية القرن الجديد فالمعدل السنوي لنمو الوظائف في امريكا في السنوات الست الاخيرة لم يتجاوز ال0.7% في حين انه كان في اوروبا خلال نفس الفترة 0.9% سنويا وفي بلد مثل اسبانيا كان 4% سنويا وذلك كله حسب الارقام التي اذاعتها اخيرا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) فهذه الارقام التي اذيعت في اكتوبر الماضي بينت ان اوروبا تفوقت علي امريكا في ايجاد الوظائف لاول مرة التاريخ الاقتصادي الحديث لكلا الطرفين. ومنذ 6 سنوات فقط كان 81% من سكان الولاياتالمتحدة في سن العمل اي ما بين 25 و54 عاما يعملون في حين كانت هذه النسبة في اوروبا لا تتجاوز ال76% اما الان فان الفارق بين الجانبين من هذه الناحية لا يتجاوز 1% فقط.. ويقول جون شميت كبير الاقتصاديين في مركز الابحاث الاقتصادية وابحاث السياسة في واشنطن ان الاقتصاد الاوروبي صار متفوقا علي الاقتصاد الامريكي في صنع الوظائف خاصة منذ مطلع القرن الجديد. وتقول الارقام ان معدل نمو الوظائف في الاقتصاد الامريكي في التسعينيات كان 1.4% سنويا في المتوسط وفي اوروبا لم يكن هذا المعدل يتجاوز ال0.4% ولكن مع بداية القرن هبط معدل النمو في الاقتصاد الامريكي من 4.4% ليصبح 2.2% فقط وهو ما ضرب معدل نمو الوظائف في الصميم، في حين ان اوروبا لم يسبق لها ان حلقت الي نفس الارتفاعات الامريكية لكي تسقط منها.. وفي نفس الوقت بدأ النموذج الاوروبي للنمو الاقتصادي يوجد المزيد من الوظائف في قطاعات جديدة نسبيا مثل صناعات تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا البيئية والابحاث والتطوير.. اما في امريكا فان استمرار الخسائر في قطاع الصناعات التحويلية جعل من الصعب ان لم يكن من المستحيل العودة الي ايجاد الوظائف بنفس او بقرب المعدلات السابقة. واليوم هناك ثلاثة قطاعات تقود عملية ايجاد الوظائف في الاقتصاد الاوروبي وهي البرمجيات وتكنولوجيا الطاقة البديلة، والعلوم الحيوية وهي قطاعات كلها ذات قيمة مضافة عالية ولاتزال اوروبا تتمتع فيها بميزة تنافسية علي بقية العالم.. وهذا هو ما يؤكده ماركليرميت الشريك الفرنسي بباريس لشركة الاستشارات ايرنست آند يونج ويقول ليرميت ان الاقتصادات الناشئة مثل الهند والصين تركز علي الصناعات كثيفة العمالة التي اعتادت اوروبا التركيز عليها تقليديا ولكن اوروبا صارت تضيف القطاعات المتقدمة سالفة الذكر لتدعم قدرتها علي صنع الوظائف ويؤكد ليرميت ان الشركات الاوروبية أوجدت في الربع الثاني من العام الحالي وحده 702 الف وظيفة جديدة. وفي الشهر الماضي اصدرت مجموعة "انتر برينيرز فور جروث" قائمة اسرع 500 شركة اوروبية نموا في عام 2006 وجاء علي رأسها شركة "جيملوفت" الفرنسية للبرمجيات التي تتعامل مع 70 بلدا في مجال برمجيات التليفون المحمول وقد تبين ان عدد موظفي الشركة زاد من 81 شخصا عام 2003 ليصبح الفي شخص الان. وحتي الشركات الامريكية صارت تسهم في صنع الوظائف في اوروبا فشركة (IDC) لابحاث السوق العالمي اطلقت نظام مايكروسوفت الجديد "ويندوز فيستا" لتشغيل الكمبيوتر في يناير القادم سيؤدي الي ايجاد 50 الف وظيفة جديدة في صناعة تكنولوجيا المعلومات بالمانيا وبريطانيا وفرنسا والدانمارك واسبانيا وبولندا.. وفي العام الماضي تم تمويل 363 مشروعا للبرمجيات في اوروبا معظمها باستثمارات امريكية مباشرة.. وعلي وجه الاجمال فان الاستثمارات الاجنبية المباشرة قد اوجدت في اوروبا في العام الماضي اكثر من 197 الف فرصة عمل جديدة. وتظهر قائمة اسرع 500 شركة اوروبية نموا في عام 2006 تطورات مشابهة في قطاع شركات الطاقة البديلة وشركات قطاع التكنولوجيا الحيوية والادوات الطبية وابحاث علوم الحياة.. فهذه القطاعات شهدت ايجاد اكثر من مليون فرصة عمل جديدة في اوروبا في الفترة ما بين 2000 و2004 وذلك حسب تقديرات الاتحاد الاوروبي لرأس المال المخاطر. وتتوقع المفوضية الاوروبية ان تستمر الزيادة في قدرة الاقتصاد الاوروبي علي ايجاد الوظائف حيث تري جواكين المونيا ان يبلغ عدد الوظائف الجديدة التي يخلقها اقتصاد الاتحاد الاوروبي عام 2008 نحو 7 ملايين وظيفة جديدة. في اوروبا نفسها تظل اقتصادات غرب اوروبا اقدر علي ايجاد الوظائف من اقتصادات شرق ووسط اوروبا رغم ان الاخيرة هي الاسرع نموا من حيث اجمالي الناتج المحلي سنويا.. ويبقي ان نقول ان مقارنة امريكا واوروبا من حيث القدرة علي ايجاد فرص العمل في السنوات الخمس الاخيرة وحدها امر ظالم للاقتصاد الامريكي لان هناك من الخبراء وعلي رأسهم جون مارتن مدير التشغيل والعمل والشئون الاجتماعية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من يرون ان امريكا بسبيلها الي استعادة تفوقها علي اوروبا من جديد في هذه الناحية في غضون عام او عام ونصف العام ويرجع هذا الاحتمال ان معدل البطالة في امريكا قد تراجع الي 4.4% في الشهر الماضي وهو ادني مستوي له منذ خمس سنوات في حين ان مستويات البطالة في العديد من دول الاتحاد الاوروبي لاتزال مرتفعة للغاية.