رغم كل قضايا الفساد التي أثيرت خلال العام الحالي من الجهات الرقابية إلا أن موقع مصر استقر عند المركز ال 70 عالميا وفقا لتقرير "مؤشر مفاهيم الفساد" لعام 2006 والذي اصدرته منظمة الشفافية الدولية الاثنين الماضي وهو نفس الترتيب الذي احتلته خلال عام 2005 من بين 163 دولة شملها التقرير ولكنها تراجعت عربيا من المركز الثامن إلي المركز التاسع. ويتعلق هذا المؤشر بدرجة الفساد ويتراوح بين 10 درجات "نظيف جدا" و5 "فاسد جدا" وحصلت مصر علي 3.7 درجة من 10 درجات أي بدرجة "فاسد" فقط ويأتي ذلك الوقت الذي لم يتحسن موقف مصر في مكافحة الفساد شهدت 3 دول عربية تحسنا حيث تقدمت لبنان وفقا لبيانات قبل الحرب من المركز 83 إلي 63 والجزائر من المركز 97 إلي 84 وليبيا من المركز 117 إلي 105. ويبقي السؤال: لماذا لم يتحسن موقع مصر برغم كل ما تبذله حكومة الدكتور نظيف من محاولات لتحسين صورة الاقتصاد المصري لجذب مزيد من الاستثمارات الاجنبية.. والأهم ماذا يجب ان تفعل لتحسين ذلك الموقع؟ تضع الدكتورة هبة نصار مدير مركز الدراسات الاقتصادية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية يدها علي المشكلة حيث تؤكد ان مصر تتحرك علي مستويين الأول هو الاصلاحات الكلية وتكوين الأجهزة التي تحقق المنفعة منها مثل حماية المنافسة وحماية المستهلك ومشيرة إلي أن مصر تسير بشكل جيد في هذا المستوي وتظهر المشكلة علي المستوي الآخر وهو الجزئي الخاص بالعوام البشرية والادارية حيث تظهر عوامل الفساد والرشوة. واضافت ان الأهم من اصدار القوانين هو تفعيلها بشفافية وتوفير المعلومات للجميع بدون تمييز واستبعدت ان يكون التحول لآليات السوق الحر جزءاً من زيادة الفساد خاصة ان الفساد في الاسواق الاشتراكية أكبر حيث سرية المعلومات مشيرة إلي أن الانتقال للأسواق الحرة بدون بيانات متوافرة ومعلومات واضحة وقوانين تحمي المستهلك يؤدي إلي ظهور وتأصل الفساد. الشفافية ويتفق الدكتور أحمد غنيم استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، معها في ان الاصلاح يجري بشكل ملحوظ ولكنه لا يتم بنفس المستوي فيما يخص الشفافية مشيرا إلي أن صفقة عمر افندي وما اثير حولها وعلاقة بعض المسئولين بشأن البنوك التي تمت خصخصتها هو اكبر دليل علي ذلك كما توجد مشكلة أخري في آلاجراءات والقوانين ومدي تطبيقها وخاصة ان قانون المعلومات لم يخرج للنور إلي الآن. ويوضح انه رغم ان مصر قطعت شوطا في هذا المجال إلا أن دولا كثيرة سبقتنا وهو ما يعني تدهور ترتيبنا فيما يخص الشفافية خاصة ما يتعلق بسرعة تطبيق وتفعيل القوانين ويلفت الدكتور غنيم الي انه في ظل زيادة حدة التضخم وعدم قدرة الحكومة علي التعامل معها بشكل فعال تظهر الأساليب غير الرسمية في انهاء الاجراءات وفتح الباب امام الرشاوي. 4 اختيارات أما الدكتور مصطفي كامل السيد استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة فيؤكد ان التقرير يتوافق مع تقرير البنك الدولي عن بيئة العمل الاقتصادي حيث جاء وضع مصر بين آخر 10 دول من بين 175 دولة حيث احتلت المركز ال 165 ويلفت إلي ان رجال الأعمال مازالوا يواجهون العديد من المشاكل وخاصة في ظل عدم وضوح القوانين واللوائح التي تحكم النشاط الاقتصادي وهو ما يفتح الباب للفساد رغم الجهود التي تبذلها الدولة للتقليل من الخطوات الضرورية للحصول علي الموافقات ولكنها لم تأت بثمارها حتي الآن، ويدلل علي ذلك بأن رجال الأعمال يسعون للتغلب علي العقبات بطريقتهم وهو ما كشفت عنه تحقيقات الأجهزة الرقابية والتي أسفرت عن قضايا فساد طالت كبار المسئولين في العديد من الوزارات. ويرجع الدكتور مصطفي كامل السيد ذلك لسببين الأول ضآلة المرتبات التي يحصل عليها الموظفون والثاني غياب أنظمة الرقابة الفعالة ويطرح 4 اختيارات صعبة أمام الحكومة للتقليل من حجم الفساد الأول: امتناع المسئولين عن مزاولة أي نشاط تجاري مباشر وغير مباشر أثناء تواجدهم في أجهزة الدولة. والثاني: أن يكون هناك فصل واضح بين الثروة والسلطة والثالث: تفعيل الرقابة الشعبية وخاصة علي المستوي المحلي حيث لا يملك أعضاء المجالس الشعبية المنتخبة مجرد الحق في استجواب المسئولين المحليين والرابع: أن يكون هناك شفافية تامة فيما يتعلق بالمراكز الاقتصادية للمسئولين الحكوميين وخصوصا كبار المسئولين. ويوضح أنه لا يمكن تحقيق هذه الاختيارات بدون نظام ديمقراطي حقيقي يتيح الشفافية والمساءلة والمشاركة الشعبية الفعالة. تشكيك وعلي الجانب الآخر يشكك عدد من الخبراء في مصداقية هذه التقارير حيث يؤكدون أن البيانات التي تعتمد عليها قديمة ولا تتناسب مع التطورات الاقتصادية منذ عام ،2004 وتطرح الدكتورة هناء خير الدين المدير التنفيذي مدير البحوث للمركز المصري للدراسات الاقتصادية رؤيتها في ذلك الاطار حيث تري أن هذه التقارير تصدر في عام 2006 معتمدة علي بيانات 2004.. مشيرة إلي أن تراجع مصر علي المستوي العربي لا يعني أنها لا تبذل جهودا في هذا الطريق وإنما الدول الأخري تجري تعديلات بشكل أسرع وهو ما يعني أننا نتراجع مقارنة بهذه الدول. وأكدت أنه إذا كانت الحكومة تسعي لتحسين ذلك المؤشر فعليها أن تطبق القوانين بشكل جيد وعلي الجميع وبدون انتقاد. ويتفق مع الرأي السابق الدكتور سمير رضوان مديرمنتدي البحوث الاقتصادية الذي يوضح بدوره أن هناك مشكلة في كل التقاريرالتي تتضمن ترتيبا لمصر مثل تقريرالقيام بالأعمال للبنك الدولي وتقارير التنافسية لمنتدي دافوس لأن معظم مؤشراتها ليست موضوعية بقدر ما تعكس مشاعر وأحاسيس الاقتصاديين حيث تتوقف الاجابة علي مزاج الشخص ونوع تعامله مع السوق.. ولم يستبعد الدكتور سمير رضوان أن يكون هناك مشكلة بالفعل في مناخ الأعمال وخاصة في ظل التحول لآليات السوق حيث لم تنج أي من الدول التي تحولت من ارتفاع مؤشر الفساد. وأضاف أن هناك مثلا انجليزية يقول وان العدالة المتأخرة هي انكار للعدالة وهو ما يعني أن التأخر في تطبيق القانون وتنفيذ الاحكام يساهم في انتشار الفساد مطالبا بسرعة إنشاء المحاكم الاقتصادية وبذل الحكومة لجهد أكبر في اقرار الشفافية من خلال سرعة تطبيق القوانين بدون تمييز أو تفرقة.