بالعلم وحده نصل إلي اسمي المواقع وبالعلم وحده ننقذ الوطن وبالعلم والثقافة والاستنارة نحمي الوطن من براثن الجهل الذي استشري حتي كدنا ان نصل إلي القرون الوسطي، والمطلوب هو البحث عن باب يفتح باب الأمل واسعا، أمام تحقيق الأهداف. ولا أحد ينكر ان هناك حراكا في المجتمع وان الكثيرين غير راضين عن معظم مظاهر هذا الحراك، إلا أن الحراك أحسن من الركود الذي تسبب في العفن العقلي والانغلاق الذي أدي إلي تحجر العقول. وانقاذ الوطن يحتاج إلي رؤية ثاقبة تري بوضوح المشكلات الحقيقية وتعبر عنها.. والكل يعرف أزمات مصر الحقيقية ولكن المشكلة هي في تعبير كل فئة عن رأيها. فالحكومة تدافع أكثر مما يجب عن نفسها والمعارضة تتهم أكثر مما يجب، مما أوجد حالة من الفزع لدي الكل في الوقت الذي يتربص فيه التخلف مستغلا كل شيء! إن علي الحكومة والمعارضة الانتباه إلي حالة الفزع التي سيطرت علي الأمة، فعندما تقرأ جرائد المعارضة تشعر انك وسط غابة من الوحوش سوف تفترسك، وعندما تقرأ الجرائد الحزبية تجد انك أمام طريق مغلق لا تستطيع الفرار منه وانه لا أمل فأنت مغتال مغتال، وعندما تقرأ جرائد الحكومة تري الحياة وردية والآمال عريضة والكل يتكلم باسم الطبقة الشعبية والبعد الاجتماعي.. والكل بعيد كل البعد عن الحقيقة! الطبقة الشعبية المسحوقة في هذا الزمان مطالبها بسيطة وهي وقف تدهور الحياة المعيشية وتحريك بحر البطالة ورفع درجة التفاؤل. فاليائس لا يستطيع الإنجاز ولا العمل ولا يستطيع تفريغ طاقته بإيجابية. فهو في حالة سلبية تحتاج إلي علاج حقيقي. ولو انصفت الحكومة لاعترفت بأنه لا توجد أسرة في مصر لا يعاني بعض أفرادها من البطالة وأيضا علي الحكومة الاعتراف دون خجل بأن الفساد أصبح عملة متداولة في مصر يلجأ إليها الناس لحل مشاكلهم التي تتجاهلها الحكومة. الحلول لا تقدم للمثقفين فما بالك بالبسطاء فلا أحد يرغب في قول الحقيقة دون خوف ولا أحد يقدم الحلول وإنما معارضة تهاجم وحكومة تتجاهل. والحقيقة التي يجب ألا تغيب اننا جميعا مشتركون! فمنا من يلجأ إلي اليأس ومنا من يلجأ إلي العنف والأكثرية تلجأ إلي الله المعين! ومن الواضح ان الحياة السياسية في مصر في حاجة ملحة لإجادة التعبير عن نفسها، والملاحظ ان الحكومة في عصر العولمة لا تعرف كيف تدافع عن نفسها، فلكي تستطيع ان تصل إلي قلب الناس لابد ان تتكلم بلغة ومفهوم هذا العصر فلابد ان يكون المتحدث باسمها واقصد هنا كل من يعبر عن الحكومة وليس المتحدثين الرسميين وإنما اقصد الإعلام الحكومي الذي لم يستطع ان يتطور من الإعلام التعبوي إلي الإعلام التنموي فهو يتخبط بين الاثنين ولا يعرف أين يقف مما يزيد الأمر سوءا ويجعل الناس في حيرة من أمرهم: هل هو ضد التطرف أم مع التطرف؟ هل هو ضد الفساد أم مع الفساد؟ هل هو يعرف مهنته الأصلية وهي الوقوف بجانب الشعب والتعبير عن كل فئات الشعب. فالشعب هو الذي يدفع لهم مرتباتهم التي تتعدي الآلاف من دمه وضرائبه ويحصل هو علي الفتات. وليت الإعلام بعد كل هذا يعمل علي حماية الناس من الجهل والشعوذة! ونظرة علي المسلسلات التي تقدم للشعب المصري تكفي لكي تري انها تعالج مشكلات لا علاقة لها بالواقع الحقيقي للشعب، وكأن مشكلات مصر قد اختصرت في الصراع علي الأرض والفلوس والجبروت في الصعيد المصري البريء من هذا التهلهل الذي نراه عبر شاشات التليفزيون. إن مصر تمر بأزمة اقتصادية وثقافية واجتماعية وتلقي كل هذه الأزمات بظلالها علي الحياة السياسية ووسط الأحداث العالمية بالغة الخطورة والحساسية تحتاج مصر إلي يقظة متعلميها ومثقفيها ولا مجال لأي تراجع الآن في أي مجال.. وكل ما تحتاج مصر إليه الآن هو من يجيد التعبير عنها ليس بزفة الإعلام التعبوي وانما بأحدث ما توصل له العلم في مجال الإعلام والثقافة حتي تستنير العقول، فليس كل ما تفعله الحكومة غلط وليس كل ما تقترحه المعارضة والاحزاب صح، ويجب ألا يسمع غير صوت العلم والثقافة وبهما وحدهما يتم انقاذ الوطن، وتجاوز كل هذا اليأس الذي أصاب المجتمع لن يكون إلا بوضوح المشكلات الحقيقية والتعبير عنها وطرحها بكل موضوعية والتركيز الإعلامي عليها وألا يكون هم كل جانب سواء حكومياً أو معارضة هو تغليط الآخر. ان المشكلات واضحة وهي غياب الديمقراطية وتفشي الفساد والانفجار السكاني والتطرف الديني، وأي إصلاح لا يبدأ بعلاج هذه الأمراض الأربعة سوف يؤدي إلي مزيد من استفحال المشكلة ومزيد من العزلة والتقوقع علي الذات ومزيد من اليأس كفانا الله وكفي مصر شر نتائجه. تجاوز كل هذا لا يمكن ان يتم دون ثورة ثقافية وإعلامية تعبر تعبيرا حقيقيا عن الرغبة في الإصلاح، والتاريخ الحضاري العريق لشعب مصر سوف يساعد في صياغة رؤية مستقبلية واعدة لدعم وتجسيد قيم التسامح والتفاعل الخلاق بين مختلف الثقافات والحضارات.