الاستاذ مكرم محمد احمد الكاتب بصحيفة "الاهرام" ورئيس مجلس الادارة السابق لمؤسسة دار الهلال وجه اتهاما خطيرا لزملائه من القيادات الصحفية في فترة حكم الرئيس الراحل انور السادات حين قال انهم قاموا بالاستجابة لطلب الرئيس السادات بالوشاية بزملائهم وخصومهم حتي يتم التحفظ عليهم او نقلهم الي وظائف ادارية اخري. وما قاله الاستاذ مكرم لن يمر بسهولة فهو ليس تصريحا عاديا او اجتهادا من كاتب بقدر ما هو اتهام صريح واضح المعاني صادر عن قيادة صحفية سابقة بحق زملاء في المهنة اذا ثبت ما قاله الاستاذ مكرم بحقهم فانه يستوجب احتقارهم وازدراؤهم في المجتمع. وهو امر دفع الاستاذ محمود سلطان رئيس تحرير صحيفة "المصريون" المستقلة التي تصدر علي الانترنت ان يتقدم برسالة الي نقيب الصحفيين يدعو فيها الي اجراء النقابة لتحقيق فيما ورد علي لسان الاستاذ مكرم حول تورط بعض الصحفيين في الوشاية بزملائهم للزج بهم الي داخل المعتقل في احداث سبتمبر 1981. واعتبر محمود سلطان في رسالته ان هذا العمل الرخيص يمثل اساءة للصحافة في مصر، معربا عن استنكاره الشديد لان يعمل زملاء صحفيون كضباط امن دولة في بلاط وتحت حذاء صاحب الفخامة ويتطوعون بالوشاية بزملاء لهم لا لشيء سوي الاختلاف معهم مهنيا او اداريا او ماليا. ونحن ننضم الي الدعوة بأن يكون هناك تحقيقا موسع في هذه الادعاءات يشمل استدعاء الاستاذ مكرم وكل القيادات الصحفية التي كانت موجودة اثناء حكم الرئيس السادات لإبراء ذمتهم امام الرأي العام من هذه الاتهامات المشينة. ورغم اننا علي ثقة من ان التحقيقات لن تصل الي نتيجة حاسمة ولن تدين احدا ادانة قاطعة لان التحقيق لن يكون مكتمل الاركان لصعوبة او استحالة الحصول علي قرائن مؤكدة وواضحة في هذا الشأن - فإنه سيكون فرصة جيدة للتأكيد علي ثوابت اخلاقية ومهنية في العلاقة داخل الجسد الصحفي وفي التذكير بأن جرائم الصحافة لاتسقط بالتقادم وان التاريخ لن يرحم كل من تجاوز في حق هذه المهنة مهما انقضي الزمان. غير اننا نأمل ان تكون هذه القضية بداية الطريق لاعادة النظر في الفكر والمنهج الذي تتبعه بعض الجهات الامنية والسيادية في الاعتماد علي التقارير المدسوسة والمزاجية التي تصلهم من اشخاص غير امناء يجدون في هذه التقارير وسيلة لتصفية حساباتهم مع زملائهم والايقاع بهم ليتسني لهم الصعود الي القمة بعد ازاحتهم من طريقهم. فولاء الصحفي والكاتب للوطن يجب الا ان يتم تقييمه بمدي مساهمته في تليمع النظام او مهاجمة وانتقاد خصومه لان العديد من الخصوم والمعارضين لا يقلون في وطنيتهم واخلاصهم للوطن عن النظام الحاكم نفسه وانما الولاء والعطاء يكون بقدر مساهمة الصحفي في كشف العيوب والثغرات والسلبيات لمساعدة هذا النظام علي اصلاحها وتطوير نفسه بما يجعل منه نظاما صالحا قابلا للاستمرار وحائزا ثقة الرأي العام وتقديره. فليس كل من يمدح النظام يعتبر صديقا له وليس كل من ينتقد النظام او يهاجمه عدوا له يصنف في خانة المناوئين والمشاكسين. وقد يحدث في كثير من الاحيان ان يتخذ الصحفي موقفا مؤيدا ومعارضا في آن واحد ،فهل سيكتب اصحاب التقارير انه المؤيد المعارض ام سيكتفون باختيار الفقرات التي تتناسب وحجم الاتهامات التي يريدون ان يوجهوها الي هذا الشخص للنيل منه اما سيتجاوزون عن ذلك ويظهرون حجم تأييده اذا كانوا يريدون رفعه للسماء. ونحن نحمد الله علي اية حال علي انه قد انقضت تلك الايام التي كان فيها قلم الصحفي يقصف بتعليمة من اصغر مسئول في اي جهاز سيادي ونحمد الله ايضا علي ان مداهمة منازل الصحفيين في الفجر قد اصبحت من مخلفات الماضي واننا نكتب حاليا بكثير من الثقة والامان وهذا امر يجب ان نعترف ونشيد به ونؤكد عليه ونأمل استمراره. ولقد كان الحراك الصحفي المليء بالتجاوزات والاتهامات الذي شهدناه مؤخرا والذي امتد ليشمل تطاولا مرفوضا ضد قيادة هذا الوطن تعبيرا عن الالتزام بثوابت تتعلق بتأمين حرية الصحافة والتعبير الي اقصي حد وترك الامر للكيان الصحفي لمعالجة هذه التجاوزات في الاطار المتعلق بالمهنة واخلاقياتها وضوابطها. وهي تجاوزات اثبتت علي ايه حال ما سبق ان كتبنا عنه مرارا وتكرارا من ان هذه المهنة السامية تواجه خطرا كبيرا من داخلها حيث اصبحت مهنة من لا مهنة له وحيث اصبحت تفتقر الي الكثير من تقاليدها واخلاقياتها العريقة بحيث تحولت الي ساحة لمواجهات شخصية واحقاد فردية وميدان لتصفية حسابات بلا احترام لقيمة الكلمة والمعلومة ومصداقية المهنة. واذا كان هناك دور قديم من بعض الصحفيين للوشاية بزملاء لهم وفضحهم في تقارير امنية فهو دور لم تعد له قيمة حاليا بعد ان تحول عدد من هؤلاء الصحفيين الي نشر ما هو اخطر واسوأ من هذه التقارير السرية علي العلن في صحفهم وكالوا في مقالاتهم واخبارهم ما يريدون من اتهامات وتشويه واكاذيب ايضا بحيث لم يعد ممكنا كتابة ما هو اسوأ من ذلك في اية تقارير اخري. إن المهنة في خطر وهي ليست فقط قضايا تتعلق بالوشاية وانما تتعلق بأخلاقيات وقواعد وسلوكيات وطبيعة مهنة كانت صماما للوطن وحماية لامنه واستقراره وتتحول الان الي صداع مزمن اصبح علاجه صعبا للغاية وقد نكون مضطرين للتعايش معه علي هذا النحو بكل ما يعنيه ذلك من قلق وتوتر ومشكلات..