الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء الخارجية العرب في بيروت أمس الأول يوحي بأن الحياة قد دبت في الجسد الميت للنظام الإقليمي العربي. لكن هذا الانطباع الخاطئ لا يجب المغالاة في دلالاته. فمنذ أن أعلن عمرو موسي أمين عام الجامعة العربية في اجتماعات وزارة الخارجية العرب في القاهرة أن عملية السلام قد ماتت وأن العرب قد خدعوا لم نسمع له أو للجامعة العربية من صوت. وفي المظاهرة التي ضمت مختلف القوي السياسية في الشارع المصري وفي البرلمان واجتمع ممثلوها بالأمن العام للجامعة اكتفي عمرو موسي بالتأكيد أنه شخصيا لا يقل انفعالا وتأثرا بما يجري في لبنان عن أي من السادة الذين اجتمعوا به ولكن ماذا بيده أن يفعل؟! وقال عمرو موسي ضمن ما قال إنه لن نطالب الدول العربية بدخول حرب ضد إسرائيل، ولكنه يعتقد أن هناك أسلحة كثيرة فعالة يمكن أن تستخدمها الدول العربية للضغط علي إسرائيل والولاياتالمتحدة لانهاء العدوان البربري علي لبنان، وحين سئل وهل يعني سلاح النفط قال هذه واحدة. وصمت عمرو موسي بعدها طويلا وصمتت معه الجامعة العربية ولم نسمع لهما حساً أو صوتاً أو خبراً خاصة بعدما صرح أحد وزراء خارجية دولة خليجية كبري أن علي السيد الأمين العام للجامعة العربية أن يصمت بدلا من أن يلقي الكلام علي عواهنه، ثم تردد بعد ذلك ان السيد عمرو موسي قدم استقالته وعادت مصادر الجامعة لتنفي ولكن المؤكد أن الجامعة العربية لم تستطع أن تلعب دورا ولو حتي صغيراً في تلك الحرب الطاحنة التي تشنها إسرائيل ومعها الولاياتالمتحدة علي الشعب اللبناني وتدخل أسبوعها الرابع. وقد كان من الواضح منذ الجلسة الأولي للاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء الخارجية العرب في القاهرة في بداية العدوان علي لبنان أن هناك انقساما وتباينا في توصيف الأزمة، حيث تزعمت السعودية والأردن والكويت الاتجاه الذي يقول بأن حزب الله قد ورط لبنان والدول العربية حين قام بمغامرات غير مسئولة باختطاف الجنديين الإسرائيليين وعليه أن يتحمل تبعات ذلك الموقف. بينما كان هناك اتجاه آخر يطالب باتخاذ مواقف حازمة ضد إسرائيل وإدانة العدوان علي لبنان، وفريق ثالث ظل صامتا متفرجا ليصوت بعد ذلك مع الكفة الراجحة، ومن الطبيعي أن تكون كفة دول ودويلات الخليج هي الراجحة واكتفت الجامعة أيامها بطلب إحالة القضية إلي مجلس الأمن وعرضها عليه. وحتي الدعوة إلي انعقاد مؤتمر طارئ للقمة العربية اختلفوا عليه، وحتي الآن لم تجر الدعوة إلي قمة طارئة عربية أو حتي قمة تشاورية الأمر الذي يعني بوضوح عربيا وعالميا وإقليميا تهميش دور الجامعة العربية وإعلان عجزها وعدم قدرتها علي التصدي للمشاكل العربية الحقيقية. ورغم مرارة الحقيقة، وصدور المراثي التي تصر علي تشييع جنازة الجامعة العربية إلي مثواها الأخير علي الأقل حفاظا علي ذكري حلم مضي عليه قرابة ستين عاما لتنسيق مصالح وإرادات الشعوب العربية في المنطقة، إلا أن الأمر يجب ألا يصدم أحدا، فمتي كان لجامعة الدول العربية دور فعال في حل أو مواجهة المشاكل العربية منذ نشأتها حتي الآن. ومنذ قرار الحرب الذي اتخذته الجامعة سنة 1948 ودخول الجيوش الأراضي السورية الفلسطينية والجامعة لا تلعب إلا دورا سالبا، فمن الثابت تاريخيا أن قرار الحرب ودخول الجيوش كان بإيعاز قوي من بريطانيا التي سعت إلي توريط تلك الجيوش، بل وخيانة بعضها تمهيدا لتأكيد إسرائيل من ناحية ولتقسيم أراضي الدولة الفلسطينية التي وافق عليها قرار التقسيم في الأممالمتحدة، وخسر الشعب الفلسطيني جزءا كبيرا من أرضه التاريخية، وما بقي منها جري ضمه إلي إمارة شرق الأردن التي أصبحت بعد ذلك مملكة الأردن الضفة الغربية ووضع قطاع غزة تحت الإشراف الإداري للمملكة المصرية في ذلك الوقت. وفي كل الحروب والصراعات والخلافات الحادة التي جرت عربيا وإقليميا في الشرق الأوسط في تلك الفترة التي امتدت ستين عاما لم يكن للجامعة العربية أي موقف فعال، في العدوان علي مصر سنة 1956 كانت هناك دول عربية ضالعة ومخططة وموافقة علي العدوان للتخلص مما كان يسمي بالأطماع المصرية في العالم العربي. وفي حرب ،1967 كشفت الوثائق علي أن هناك دولا عربية كانت تحض الولاياتالمتحدةالأمريكية علي ضرب مصر وتأديبها لوقف طموحها في السيطرة علي البترول العربي خاصة بعد تواجد القوات المصرية في اليمن لنصرة ثورة الشعب اليمني ضد النظام الإمامي المتخلف الذي كان هناك، وارضاء للضمير المعذب للذين شاركوا في التخطيط للعدوان قامت بعض الدول البترولية بدفع مبالغ مالية من عائدات النفط الذي تسيطر عليه الشركات الأجنبية والأمريكية بشكل خاص كتعويض لمصر وسوريا. فقط في سنة 1973 اتخذ القرار الإيجابي الوحيد في تاريخ الجامعة العربية وهو استخدام سلاح النفط للضغط علي الدول المساندة لإسرائيل وأثبتت الدراسات التاريخية بعد ذلك أن هذا القرار الفريد لم يكن عشوائيا بل مخططا بين الشركات الأجنبية والبترولية العاملة في مجال النفط وأجهزة القرار في الدول النفطية لرفع سعر البترول الذي ارتفع بالفعل من دولار إلي أكثر من 30 دولاراً في عدة شهور، ومن ناحية أخري فلقد كان للانتصار الحاسم للقوات المصرية لعبور قناة السويس والقضاء علي خط بارليف عاملا مساعدا لمحاولة كسب ود مصر في تلك المرحلة. أما في حرب الخليج الثانية أو ما يسمي بحرب تحرير الكويت فلقد انقسمت الأنظمة العربية إلي فريقين تماما مثلما يجري الآن فريق راهن علي صدام حسين ونظامه ووعوده لتلك الأنظمة وفريق راهن علي الولاياتالمتحدة وقوات التحالف وشارك فيها، وتكرر نفس الشيء في الحرب علي العراق واحتلالها سنة 2003. أي ان الجامعة العربية طوال تاريخها كانت في الواقع مهمشة في كل الأزمات والحروب والصراعات الساخنة التي جرت علي الساحة العربية فهي في الأول والآخر جامعة للدول والأنظمة القائمة، ولكل نظام حساباته الخاصة وتحالفاته، ويكفي أن نعرف أنه وطوال الستين عاما لم تستطع الجامعة العربية ان تحقق سوقا عربياً مشتركاً أو حتي منطقة حرة، بل ان التجارة العربية البينية تتراوح من 4 إلي 7%. بل إن اتحاد دول وإمارات الخليج، وهو اتحاد يضم دولا ودويلات متجانسة بتروليا وقبليا في أنظمة حكمها لم تستطع بعد أكثر من ثلاثين عاما من إنشاء الاتحاد إيجاد سوق مشتركة فيما بينها. ومع خيبة جامعة الدول العربية وعجزها عن اتخاذ موقف فعال في الحرب العدوانية علي لبنان الأمر الذي يعني عجز الأنظمة المشكلة لهذه الجامعة، تخرج أصوات كثيرة في العالم العربي لتطالب بجامعة أخري للشعوب العربية تضم الأحزاب والاتجاهات السياسية المختلفة والاتحادات المهنية والعمالية.