مع بداية العام المالي الجديد رفعت الحكومة أسعار الطاقة حتي لا تتحمل الدولة مزيدا من الدعم للمنتجات البترولية خاصة في ظل ارتفاع الاسعار العالمية للبترول ولم يلحق المواطن وتحديدا الموظفون أن يفرحوا بالعلاوة الجديدة حيث ارتفعت أسعار معظم السلع بعد ارتفاع أسعار النقل ونحن هنا لا نناقش قضية ارتفاع الاسعار أو توقيتها وإنما نطرح تساؤلاً مهماً خلال مرحلة التحول وهو.. من يلعب دور الجندي المجهول في مراقبة الأسعار والسيطرة علي الأسواق؟! وخاصة أنه لم يعد للدولة دور واضح الملامح في التحكم في أسعار السلع وحتي مع مطالبة رئيس الوزراءلدكتور أحمد نظيف للمحافظين في الاجتماع الذي عقد مؤخرا بالاسكندرية بضرورة التدخل "الحازم" لاحتواء أي أثار جانبية لزيادة أسعار الطاقة حتي لا يحدث انفلات غير مبرر للأسعار وحتي تتم المحافظة علي تناسب الزيادات في أسعار الخدمات خاصة النقل مع التأثير الحقيقي المدروس والذي لا يتعدي نسبة 5%.. وانتهي تصريح رئيس الوزراء.. ولم يحدث شيء من ذلك للآن والأسعار مستمرة في الارتفاع ولا يمكن أن تعود لسابق عهدها. منذ 50 عاما وبداية يوضح الدكتور سلطان أبو علي أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق أن التجار دأبوا علي رفع أسعار السلع منذ 50 عاما في شهر يوليو لامتصاص العلاوة التي يحصل عليها الموظفون.. مشيرا إلي أنه بمتابعة بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العام والاحصاء عن معدل التضخم خلال شهور السنة نجد أن شهر يوليو أعلي من كل الشهور. وأرجع الدكتور سلطان أبو علي ارتفاع الاسعار إلي عاملين الأول نتيجة رفع سعر الوقود والثاني رفع الحكومة لأسعار المواصلات وزيادة رسوم الطرق السريعة بنسبة 100% وهو ما أثر علي أسعار السلع.. مشيرا إلي أن ارتفاع بعض السلع له ما يبرره وهناك زيادات لا يوجد ما يبررها. وأضاف أن ارتفاع السلع في ظل آليات السوق يتحكم فيه العرض والطلب وفيما يخص العرض فإنه لمواجهة ارتفاع أسعار سلعة ما أفتح باب الاستيراد لتهدئة الاسعار وإذا كانت الزيادة نتيجة للاحتكار فالمفروض أن يتصدي لمثل هذه الممارسات جهاز حماية المنافسة أما فيما يخص الطلب فالمفروض أن يتم تقييد الطلب من جانب جمعيات حقوق المستهلكين وخاصة تجاه السلع الاستهلاكية. وأكد الدكتور سلطان أبو علي أنه لا يمكن للدولة أن تتدخل وخاصة أن معدل التضخم وفقا لتوقعات صندوق النقد لا تزيد علي 5% مشيرا إلي أنه يمكن للدولة أن تتدخل إذا وصل هذا المعدل إلي 25 30% فتقوم بتجميد الأجور والاسعار لمدة 6 أشهر حتي يستطيع الاقتصاد استيعاب هذه الزيادة وتستقر الاسعار. دور الدولة أساسي بخلاف الرأي السابق يري الدكتور حازم الببلاوي مستشار صندوق النقد العربي أن دور الدولة في ظل آليات السوق هو دور أساسي وتحديدا في الاشراف بحيث تضمن وجود منافسة حقيقية وأن تعلن بشفافية بيانات التكلفة الحقيقية للسلع بالاضافة إلي دور جمعيات حماية المستهلك مؤكدا أن قوله عدم وجود دور للدولة في ظل آليات السوق هي مقولة مغلوطة لأنها في الاساس تتخلي فقط عن الإنتاج لتلعب دورها الحقيقي بكفاءة وهو الاشراف. ويؤكد الدكتور حازم الببلاوي أن من حق الدولة أن تحدد سعراً للسلع في الظروف الاستثنائية وفقا لاتفاقية التجارة العالمية والدليل علي ذلك أن الدولة إلي الآن مازالت تتحكم في تسعير الأدوية لأنها تمس كل فئات المجتمع. السوق هو اللاعب الحقيقي أما الدكتورة عالية المهدي رئيس مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية تؤكد أن السوق هو اللاعب الحقيقي في ظل آليات السوق وأنه كلما كانت قواعده متحركة بشكل منضبط مع عدم وجود عوائق في الدخول والخروج وتعمل آلياته بشكل صحيح مع توافر بيانات للمستهلكين ومنافسة حقيقية بين المنتجين في توافر كل ذلك لا يستطيع أحد أن يتلاعب بالاسعار.. وتشير إلي أن رفع سعر الطاقة مؤخرا كان من الطبيعي أن يرفع الاسعار والمفترض أن يمتنع المستهلكون أو يقللوا الشراء كرد فعل طبيعي في المجتمعات المتقدمة لحين انخفاض الاسعار مرة أخري. وتوضح الدكتورة عاليه المهدي أنه في أيام السادات حدثت مبالغة في سعر اللحوم وطالب الرئيس السادات بالامتناع عن اللحوم لمدة عام وتبنت الجمعيات الأهلية الدعوة لذلك وكان لذلك تأثير قوي حيث انخفضت أسعار اللحوم لأقل من النصف خلال فترة وجيزة وتضيف أن ذلك يعني أن دور جمعيات حماية المستهلك مؤثر وقوي في ظل آليات السوق ولكنها تحتاج أيضا إلي مستهلك واع لحقوقه. وتؤكد الدكتورة عاليه المهدي أن تدخل للحكومة في آليات السوق دائما ما يوجد مشكلة فحينما تضع سقفا لسلعة ما تختفي هذه السلعة من السوق وتظهر في السوق السوداء بأسعار تقترب من الضعف.. مطالبة بعدم تواجد هذا التدخل خلال المرحلة الحالية إلي أن يوازن السوق نفسه بنفسه. جمعيات حماية المستهلك وتتفق مع الرأي السابق الدكتورة أمنية حلمي كبير الباحثين بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية وتؤكد أنه في الاقتصاديات المتقدمة تلعب جمعيات حماية المستهلك دورا قويا في السيطرة علي أسعار السوق حيث يتوافر لها من القوانين التي تمكنها من القيام بدورها مشيرة إلي إلي أنه في ظل هذا الدور القوي لا يجب أن يكون هناك أي تدخل من جانب الدولة بشكل مباشر وتضيف الدكتورة أمنية حلمي أن هناك طرقا غير مباشرة يمكن أن تلعبها الدولة مثل فتح باب الاستيراد لتوفير كميات أكبر من السلع التي ترتفع أسعارها بشكل مبالغ فيه حتي تضمن وجود منافسة حقيقية بين المنتج المحلي والمستورد وخاصة أن السلع الغذائية جماركها منخفضة جدا وهو ما يعني أن سعر المستورد سينافس المنتج المحلي. وتؤكد أن كل ما يحدث حاليا في السوق هو أو طبيعي وخاصة أننا مازلنا في مرحلة التحول من الاقتصاد الموجه إلي الاقتصاد الحر. مرحلة انتقالية وتبين الدكتورة يمن الحماقي أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني أن المجتمع يجب أن يلعب دوره الايجابي خلال المرحلة الانتقالية مشيرة إلي أن كل الدول التي تحولت إلي اقتصاديات السوق بدون تقوية مؤسساتها التي تتعامل مع هذا النظام تمر بنفس الظروف التي تمر بها أما الدول المتقدمة فالمفروض أن تلعب الجمعيات الأهلية وجهاز حماية المنافسة وجهاز حماية المستهلك دورا قويا في مراقبة الاسعار في ظل آليات السوق ولكن هذه الأجهزة تحتاج إلي قاعدة بيانات ومؤسسات قوية وهو ما يتوافر في الدول المتقدمة وهذه احدي التحديات التي نواجهها خلال الفترة القصيرة من التحول. وأكدت الدكتورة يمن الحماقي أن رئيس الوزراء طلب من المحافظين التدخل للسيطرة علي الأسعار لضمان عدم ساءة استغلال الموقف مشيرة إلي أن ذلك يتحقق من خلال توفير المحافظين لخط تليفوني ساخن للإبلاع من جانب المواطنين وفي نفس الوقت الاستعانة بفريق من الخبراء الفنيين لتحديد القطاعات التي يمكن أن ترتفع أسعارها نتيجة لرفع أسعار الطاقة وتحديد أسقف الزيادة بدون استغلال وذلك حتي يتمكن المحافظون من التدخل بشكل سليم واتخاذ إجراءات وقرارات رادعة للمستغلين.