لا أعرف كم من المصريين والعرب يعرفون الكثير او القليل عن تاريخ افكار العلم، فنحن جميعا ضحايا شعارات سياسية اخذت منا الكثير من الوقت واستنزفت منا الكثير من الجهد، وكانت النتيجة هي حالة عدم الرضا البالغة القسوة وهي حالة نعاني منها جميعا. هذا ما كنت افكر فيه وانا اصافح للمرة الخمسين علي الاقل لكتاب لا يغادرني ابدا، وهو كتاب "موجز تاريخ العلم" لرجل اعطي حياته لاستكشاف علاقة العلم بالمناخ الحاكم لتطوره وللظرف الاجتماعي الذي استفاد منه، وللفلسفة الغالبة التي نبع منها، وهي كلها امور قد نتجاهلها، علي الرغم من وجودها في الهواء الذي يدخل انوفنا، ولكن لانها امور بديهية لذلك تبدو وكأن التجاهل هو النصيب اللازم لها من حياتنا الرجل اسمه ج. ج. كراوثر، وترجمته الي العربية الاستاذة الدكتورة يمني طريف الخولي ومعها د. بدوي عبدالفتاح، وتم نشر الكتاب باللغة العربية مرتين، الاولي في سلسلة المشروع القومي للترجمة الذي اسسه د. جابر عصفور والثانية في مشروع مكتبة الاسرة العام 1999. ويمكن وصف الترجمة بانها ترجمة فاتنة ومغرية وسلسلة وبسيطة ذات عمق خلاب. يحكي الكتاب في البداية عن اربعة قاموا بتأسيس افكارنا عن العلم في القرن السابق الذي غادرنا منذ سنوات وهو القرن العشرون وهم كارل بوبر، هذا الذي جرد القلوب من النظر الي العلم بعيدا عن المناخ العام، وهي النظرة التي كانت سائدة من قبل، حيث اعتقد العلماء ان ما يجرونه من ابحاث، وما يقدمونه من استكشافات، هي امور تعلو فوق كل الظروف وكأن العلم وهو يخرج من الواقع الي النتائج ، هو مجرد طائرة تحلق فوق كل شيء ويستظل فقط بسماء الحقائق الظاهرة لنا، ورأي الرجل ان العلم يستفيد من الخيال ومن المشاعر، وهو في كل الاحوال قابل للتغير للتعديل. ولا توجد فيه امور نهائية، فرحلة العلم قابلة للتغير ولا نهاية لتلك الرحلة. ومن بعده جاء توماس كون الذي ربط العلم بأسس الحياة الاجتماعية فليس هناك دليل يمكن ان يرسم لقطار الافكار البشرية مسارا كقضبان القطار كي تسير عليه، لان التغير الاجتماعي يؤثر في كل التفاصيل العلمية. ومن بعد ذلك جاء الفيلسوف المجري امري لاكتوش ليؤكد ان فكرة لا يبحث لها صاحبها عن جذور وتاريخ تبدو فكرة عرجاء لان الافكار لابد ان تنبع من فلسفة ما. وجاء من بعد ذلك بول فييربند الذي قال ان تعدد وجهات النظر حول نظرية ما هو الذي يعطينا نظريات جديدة، ورؤية جديدة للعالم. وقد تبدو الاسماء الاربعة التي ذكرتها لا تأتي في عناوين الصحف والمقالات والاخبار اليومية، ولكنها هي الاسماء التي يمكن ان تنقذنا من حالة الجهل اللامع بالقسوة علي سطح عالمنا المعاصر الذي يحتكر فيه القادة تدمير البشر دون بناء لما يصون الحياة. فلنبحث عن تقديس العلم ولنعرف فلسفاته كي ننقذ انفسنا من دوامات الاكتئاب فعن طريق العلم والافكار يمكن ان نغير الواقع الذي يصلينا كل يوم من كأس المهانة الكثير حتي صرنا نترنح غير عالمين بما نعاني من ضياع. منير عامر.