بعد ان خسرت جنرال موتورز 10 مليارات دولار في العام الماضي جاء الوقت الذي تحظي فيه هذه الشركة المنكوبة بمجاملة من العاملين فيها.. وقد اعلنت جنرال موتورز (CM) منذ ايام ان 35 الفا من عمالها اي نحو ثلث الذين يحصلون علي اجورهم بالساعة قد قبلوا حوافز الشركة للتقاعد المبكر وهي حوافز سخية علي اية حال.. وتتوقع ادارة جنرال موتورز ان توفر من الاستغناء عن العمالة نحو مليار دولار هذا العام.. ويعد الاستغناء عن العمالة جزءا من خطة متعددة الجوانب لخفض التكاليف السنوية الثابتة لجنرال موتورز بمقدار 5 مليارات دولار وهو الامر الذي تقول مجلة "الايكونوميست" انه سيمكن الشركة من تغييراقدارها كذلك اعلنت شركة ديلفي لمكونات السيارات وهي شركة اعتادت ان تكون جزءا من جنرال موتورز ان 12600 من عمالها قد قبلوا ايضا حوافز التقاعد المبكر. ولاشك ان هذه التغييرات الضخمة في صناعة السيارات التي تعتبر قلب الصناعات التمويلية الامريكية قد اشاعت اعتقادا واسعا بين الناس بان الصناعة الامريكية لم تعد قادرة علي مقاومة المنافسة الاجنبية. وسواء أكانت الشركات الامريكية تهاجر لتبني مصانعها في الاسواق الناشئة للاستفادة من قوة العمل الرخيصة هناك ام تغلق المصانع المقامة داخل الولاياتالمتحدة لعجزها عن انتاج سلع تنافسية فان الافتراض الذي اصبح شائعا هو ان مجمل الصناعة الامريكية اصبح في مأزق.. ويقول كليف رانسوم وهو محلل مستقل ان الاعلام الامريكي يتحدث كما لو كانت الصناعات التحويلية الامريكية كلها علي وشك التعثر او التوقف. ولكن الحقيقة غير ذلك علي الاطلاق فالشركات الصناعية الامريكية تتمتع بنجاحات مدوية وتحقق زيادة سنوية في ارباحها تناهز 9% منذ انتهاء ركود 2001 كما ان انتاجية العامل الامريكي تزيد باسرع مما كان يحدث خلال سنوات التوسع الاقتصادي في التسعينيات مثلا بل ان الصناع الامريكيين اكثر من ذلك لم يفقدوا تفوقهم في الابتكار. حتي في صناعة السيارات ذاتها تعد حالة تعثر جنرال موتورز وديلفي حالة استثنائية فهناك مئات من شركات صناعة مكونات السيارات في الولاياتالمتحدة تعمل بنجاح وتحقق الكثير من الارباح وتقدم انتاجها للشركات الاجنبية الوافدة للعمل في السوق الامريكي مثل تويوتا وهوندا التي أعلنت منذ ايام انها ستقيم مصنعا جديدا للسيارات في انديانا يتم افتتاحه عام 2008 ولعلنا نذكر ان شركات مثل كاتربيللر وفورد كانت تعاني منذ سنوات قليلة اكثر من معاناة جنرال موتورز ولكنها سرعان ما عادت الي الوقوف علي اقدامها والعمل بكفاءة جيدة. ان شركات صناعة المعدات الرأسمالية والسلع المعمرة مثل كاتربيللر وجنرال اليكتريك والشركات الصناعية العملاقة مثل بوينج في صناعة الطائرات كانت دائما هي النبضات القوية لقاعدة الصناعات التحويلية الامريكية.. ويقول جيمس ووماك خبير معهد لين انتربرايز في كمبردج - ماساتشوبستس ان هذه الشركات مراكزها متينة لانها تملك ثروة من الخبرة والمعرفة في المجالات التي تعمل بها.. وحتي لو واجهت احداها تعثرا طارئا مثلما حدث مع بوينج منذ سنوات قليلة فان هذه الثروة المعرفية تساعدها علي النهوض من جديد.. والملاحظ في هذه الايام علي اية حال ان كل الشركات الصناعية الامريكية بكل انواعها تحسن كفاءتها بسرعة. وعلي سبيل المثال فان شركة ليتل فيوز وهي شركة لصناعة الفيوزات وغيرها من السلع التي تحمي الدوائر الكهربية من التلف في كل شيء من السيارات واجهزة التليفون المحمول حتي آلات المصانع الكبيرة قد بدأت اخيرا في بناء ثلاثة خطوط انتاج جديدة في مصنعها بولاية الينوي.. وكل شيء في انتاجها يدعو الي الاعجاب سواء من حيث الجودة او مهارة الصناعة. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان هذا شيء متكرر في كل الصناعات الامريكية وان هذه الصناعات كانت قادرة علي المنافسة في الفترة 1995 - 2000 عندما كانت الزيادة في انتاجية العامل 4% فقط اما الان فان الزيادة في الانتاجية قفزت الي 5.1% سنويا حسب ارقام مكتب العمل الامريكي وحتي لو تراجع هذا الرقم قليلا فيكفي ان تعرف ان الزيادة في الانتاجية ناجمة عن عناصر قوة كامنة في هيكل الاقتصاد الامريكي. وعموما فان الاقتصاديين الدارسين لمجمل القطاع الخاص الامريكي وليس شركات الصناعات التحويلية فقط يرون ان الاقتصاد سيمكنه ان يحقق في العقد القادم معدلا سنويا للزيادة في الانتاجية اكبر من متوسط المعدل السنوي الذي كان سائدا في العقدين 75 - 1995 وهذا هونفس الاعتقاد الذي يؤمن به جوردون هانتز الرئيس التنفيذي لشركة ليتل فيوز فهو يري ان المرونة والرغبة في التعلم والمهارة هي فضائل تتحلي بها الشركات الامريكية عموما وشركات الصناعات التحويلية بشكل خاص.