الجهاز الاعلامي المرئي، أي التليفزيون مهمته كبيرة، فيما أتصور. التليفزيون ليس أداة تسلية في العالم الثالث وإن كانت التسلية عنصرا من عناصر الجاذبية. هناك مدرسة اصلاحية تري أن تليفزيون الدول النامية يجب أن تخصص ساعاته لتخصيب أرض المجتمع المليء بالمشاكل. وهناك مدرسة أخري تري ان المجتمعات النامية من حقها المتعة والتسلية لأنها تعاني! والواقع أن النظرة العقلانية تري أن ساعات الإصلاح لا يجب أن تأخذ مساحة أكبر من ساعات التسلية، أي أنه يجب المزج الذكي بين الرأي الجاد والمادة المسلية. فإذا كان الرأي الجاد هو السائد فسوف يمل الناس المشاهدة ويبحثون عن قنوات أخري أقل (زعامة)، وهذا ما حدث علي الشاشات الروسية أيام الحكم الشيوعي قبل أن يتفكك الاتحاد السوفيتي. هناك مقولة اعلامية شهيرة من تليفزيون دولة تقول إن مواد هذا التليفزيون (طاردة) للمشاهد. طاردة إلي شاشة أخري أكثر جاذبية وطلاوة والناس تدرك أن الاصلاح السياسي من إحدي أدواته شاشة التليفزيون فهو يقدم نماذج للديمقراطية أهم رافد في هذا الاصلاح ودعاة الاصلاح الاجتماعي يعتقدون أن الاصلاح الاجتماعي أكثر أهمية من الاصلاح السياسي ذلك ان الاصلاح الاجتماعي في نهاية الأمر (اصلاح بشري) والبشر يقوم بدوره السياسي فهو رجل أو امرأة يجب التأهيل للقيام بالمهمة علي اتم وجه ودون هذا التأهيل يصبح الاصلاح السياسي جهدا ضائعا في الفراغ فالمجتمع الناضج هو الذي يتحول إلي أداة فعالة في الاصلاح السياسي. كان الناقد الراحل الكبير محمد مندور يقول (إن مجتمعا ينقص أفراده النمو النفسي والذهني لا تستطيع أن تدربه سياسيا) أن المجتمعات العربية في حاجة إلي جرعة معقولة من مناقشة مشاكلها وقضاياها بعمق وليس بطريقة الدوران بقارب الحوار "حول" القضية أو الموضوع. إن الخوف يسيطر علينا ونحن نناقش قضايانا الحياتية حتي الخطاب الاعلامي للمرأة يحتاج إلي هزة عنيفة لأنه خطاب يعزز المجتمع الذكوري ويعزز المرأة (الانثي) دأب الاعلام المرئي علي أن الرجل (عقل) والمرأة (جمال جسد) وهنا الطامة الكبري فالمهام التي تنتظر المرأة في بلادنا كثيرة وأهمها تنشئة جيل يعرف كيف يفكر جيل متصالح مع جسده جيل لا تخطف انتباهه مثيرات الحياة. جيل يمتلئ كل صباح بحالة شعورية للانتماء والمواطنة الحقة. وجهاز التليفزيون بما له من قاعدة شعبية يمكن أن يلعب دورا فاعلا لها في تغيير المجتمع وتطويره ومناقشة الميراث النفسي له لكن ذلك يتطلب وعيا من مقدمات هذه البرامج أبعد من المطبخ والفستان وتفتيح البشرة هذا النمط من مقدمات البرامج ناقص في الشاشات ولذلك تأتي في هذه البرامج مسطحة بلا أعماق. ان التوازن مطلوب علي الشاشة العربية جرعة للفكر وجرعة للعقل وجرعة روحية وجرعة تسلية أما أن تصبح الكليبات الغنائية دون المستوي هي السائدة علي الشاشات فهي جريمة بحق و(تحريق معنوي). ليست الشطارة في التحاور مع المسئول أن أدخل معه مباراة مصارعة ولكن من المهم أن يكون حاصل اللقاء أو الحوار معلومات واحاطة وافادة. أسلوب الصياح في الشاشات الفضائية يخلق غوغائية في التفكير ويخلق ما هو أخطر (ثقافة الصوت العالي) نحن لسنا في حاجة للصوت العالي المسيطر علي شاشتنا نحن في حاجة إلي صوت منخفض هادئ كله منطق ومصارحة لكي يكون الصوت مؤثرا ويؤدي إلي الاقناع إنني أشعر أن نصائح مقدمات برامج المرأة ما هي إلا كلام مرصوص مثل ذلك الذي نقرؤه في غلاف الكراسات المدرسية. أريد أن أقول إن الجهاز الاعلامي المرئي دوره من أخطر ما يكون فهو (أب بديل) للنشء وهو الذي بالحوارات الصادقة يحرك بحيرة المجتمع فإذ استطعنا أن نمتلك مقومات استخدامه ذلك الاستخدام الأمثل حققنا مسافات من التطور ذلك أن الشاشة الصغيرة صارت صحافة العصر وتأثيرها عشرة اضعاف الكلمة المكتوبة اتجهوا للشاشة المرئية. احشدوا لها الطاقات. ابطلوا الصوت العالي المدمر للقيم هاتوا للاطفال مقدمات برامج واعيات ولا يتحدثن عن أمنا الغولة وليمضي قطار الاصلاح السياسي بهدوء بعيدا عن ثقافة الصوت العالي.