ما حدث في إمارة دبي قبل عدة أيام من احتجاج عمالي عنيف للعمال الأجانب الذين يعملون في مواقع بناء برج دبي ليس أمرا عاديا أو حادثا عارضا وإنما هو إشارة تحذير قوية لما يمكن أن تسببه العمالة الأجنبية في دولة الإمارات العربية المتحدة خاصة وفي منطقة الخليج العربية عامة من مشاكل وقلاقل مستقبلية نتيجة زيادة أعداد هذه العمالة التي اصبحت في بعض البلاد تمثل نسبة أكثر من عدد السكان المحليين ونتيجة انتشار الافكار الجديدة التي تطالب بتوطينهم ومنحهم حقوقا سياسية أيضا وتجنيسهم إن أمكن..! وقد فشلت كل النداءات الرسمية التي أطلقها العديد من المسئولين والمفكرين الخليجيين في تحديد مدة زمنية معينة لبقاء أي عامل أجنبي في منطقة الخليج ومازال رجال الأعمال في القطاع الخاص الخليجي يرفضون الاستغناء عن أي عامل أجنبي مضي عليه في العمل لديهم سنوات طويلة بحجة انه أصبح يعرف أسرار العمل وأنهم دربوه وعلموه واعتادوا عليه، وأصبح واحدا منهم..! ونتيجة لهذا المنطق فقد قضي عدد كبير من العمالة الأجنبية عقودا من الزمان في دول الخليج ونشأت أجيال جديدة من أبناء هذه العمالة ينتمون إلي دول أخري بالجنسية ولكن تعليمهم ونهج حياتهم وانماطها وسلوكياتها تأخد الطابع الخليجي والثقافة الخليجية ولا يعرفون لهم وطنا غير الدول التي ولدوا فيها..! وتزداد المشكلة تعقيدا حين منحت بعض الدول الخليجية الجنسية للعديد من هؤلاء الأجانب في محاولة لتوطينهم وطمأنتهم والاستفادة من خبراتهم وتشجيعا لهم ايضا علي استثمار مدخراتهم في دول الخليج، ولكن هذا التجنيس أوجد مشاكل نفسية حادة للجيل الجديد من أبناء المجنسين الذين شعروا انهم لا يعاملون بنفس درجة المساواة في المواطنة والحقوق والامتيازات وينظر إليهم علي أنهم مواطنون درجة ثانية أو ثالثة وربما عاشرة أيضا وهو ما يمكن ان يسفر عنه نوع من الرفض الحاد تماما كما حدث في فرنسا من احتجاجات من أبناء المهاجرين الذين تعامل معهم المجتمع بعنصرية وبنظرة دونية. وقد لا تكون هذه المشكلة قائمة حاليا في هذه الدول الخليجية نتيجة لعدم وجود تنظيم اجتماعي أو سياسي يربط هؤلاء الذين اكتسبوا جنسيات هذه الدول ولكنها حتما مرشحة للانفجار خاصة من التعليم الجيد والخبرات التي حصل عليها الجيل من أبناء المتجنسين والذين يشعرون ان عليهم ان يعاملوا طبقا لمعيار الكفاءة والتميز وليس بمعيار النسب أو الأصل في الجنسية! ولا يمكن النظر إلي ما يحدث من تحولات وانتفاضة للعمال الأجانب في المطالبة بحقوقهم في دول الخليج بمعزل عن التطورات والمتغيرات الدولية الجديدة فدخول دول الخليج في مفاوضات لتوقيع اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة يعني أن عليها ان تستجيب لحزمة من الاجراءات المتعلقة باصلاح قوانين العمل وتحسين ظروفه بما يتماشي مع الاتفاقيات الدولية، وهو ما يعني بالتحديد مزيدا من الحقوق في جميع المجالات للعمالة الاجنبية بشكل ينتهي معه عهد "الكفيل" ويؤدي إلي تحسين الأجور والظروف المعيشية للعمل والتي كانت دائما موضع الاحتجاج المستمر من العمال. ولا يستبعد في ظل هذه الظروف الجديدة ان يكون للجاليات والعمالة الاجنبية تمثيل سياسي معين إما في المجالس البلدية او النيابية وإما في الحكومة، فالضغوط التي تمارس علي بعض الدول الخليجية في هذا الشأن كبيرة، وبعض سفارات الدول الآسيوية والغربية تمارس دورا تأثيريا بالغ الخطورة في تحريض مواطنيها وحمايتهم وتحدي القوانين المحلية. ان قضية العمالة الأجنبية في دول الخليج بدأت تأخذ أبعادا جديدة في ضوء الاضطرابات العمالية المتكررة، ووجود 1.2 مليون عامل أجنبي في بلد مثل الامارات العربية أمر ليس هينا في بلد اجمالي عدد سكانه حوالي 5.4 مليون نسمة.. ولا أحد يعرف كيف سيكون السيناريو إذا ما امتدت الاحتجاجات العمالية لتشمل مثلا مليون عامل أو حتي نصف مليون وساعتها ربنا يستر.! ** ملحوظة أخيرة: للمرة المائة.. رئيس الوزراء يبحث نقل الوزارات من وسط القاهرة إلي خارج العاصمة.. ولا تعليق ما هو سعد باشا قالها في جملة واحدة خالدة "مفيش فايدة"!!