للحزب الوطني الديمقراطي "دماغ" تفكر وتخطط ممثلة في لجنة السياسات بالحزب التي تضم النخبة والتي يفترض أنها تقوم بالجانب التنظيري والتوجيهي للحزب والتي هي أساسا لا تضم العناصر الموكل إليها الالتحام المباشر مع الجماهير أو التعامل معها. وللحزب الوطني بعد ذلك "عضلات" يفترض انها تقوم بتنفيذ تعليمات "الدماغ" والزام أعضاء الحزب ولجانه وتجمعاته بها وتوحيد الصفوف تجاه الالتزام الحزبي وتأييد سياسات الحزب. ويفترض أن يكون أمين التنظيم في الحزب الوطني الديمقراطي هو الشخصية المحورية التي تحدد أداء الحزب صعودا وهبوطا، والتي تعمل علي التوظيف الجيد لكل طاقات الحزب لإظهار قوته ووحدته وتحقيق أهدافه. ويقود هذه "العضلات" السيد أحمد عز أمين التنظيم الذي خلف السيد كمال الشاذلي الذي ترك موقعه المفضل الذي استمر فيه سنوات طويلة وسط ما أسماء البعض الانقلاب الأبيض داخل الحزب الوطني بسيطرة الحرس الجديد وتصفية واستبعاد رجالات المرحلة الماضية. ولكن هذه العضلات لم تظهر قوتها بعد، بل علي العكس من ذلك أثبتت تراخيا في الأداء يدعو إلي التساؤل! فلأول مرة في تاريخ الحزب الوطني يخرج عدد من أعضائه من النواب في مجلس الشعب ليكونوا أول من ينتقد بشدة حكومة الحزب الوطني ويوجه أحد الأعضاء علي سبيل المثال تعليقات لاذعة للحكومة حين يصفها بأنها عمياء وطرشاء وخرساء وتعيش في برج عاجي بعيدا عن مشاكل الشعب. وما حدث يعكس بوضوح فجوة في الاتصال والتنسيق بين أمانة التنظيم وبين أعضاء مجلس الشعب المنتمين للحزب، وقد يعكس أيضا حالة من التباعد أو التنافر أو عدم الاقتناع المتبادل بينهما. فعندما كان كمال الشاذلي أمينا للتنظيم كان من الصعب حدوث هذه المواقف تحت قبة البرلمان لأن أمين التنظيم السابق كان يمارس نفوذا قويا علي الأعضاء وكان يستطيع بإشارة من إصبعه تحريك اتجاهات الحوار داخل المجلس والسيطرة الكاملة علي الأعضاء من منطلق درايته الكاملة ومعرفته "بمفاتيح" كل عضو وقدراته وامكانياته وحدوده أيضا.! وقد يكون نقص الخبرة أمام أمين التنظيم الحالي هو الفجوة التي تبدو واضحة في أداء الحزب الوطني حاليا وقد يكون ذلك راجعا لعدم تدرجه في البنيان التنظيمي للحزب واندماجه مع مختلف فئاته وهو ما قد يعني تباعدا في الأفكار والمنهج بينه وبين كوادر الحزب وقياداته وخاصة في المحافظات. وبعض التقارير في هذا الصدد تتحدث عن استقالات بين بعض قيادات الحزب اعتراضا علي الطريقة "الفوقية" التي يتعامل بها أمين التنظيم مع هذه القيادات والتي يتحدثون عنها بقولهم انه يتعامل معهم كما لو كانوا عمالا في الشركات التي يملكها! وأيا كانت وجهات النظر في ذلك، فمن الواضح أن هناك أزمة تفاهم وتباعد في طريقة الادارة السابقة لأمين التنظيم الحالي عن سلفه، وقد يكون الأمين الحالي مصيبا في سياساته وتصرفاته واتجاهاته، وقد يكون مخطئا، إلا أن هذا لا يعني إنكار وجود أزمة في طريقة ادارة الحزب وفي كيفية توحيد صفوفه للإسراع في خطوات الإصلاح الديمقراطي المنتظرة! ويعكس هذه الأزمة ما يتردد بصفة مستمرة عن انقسامات في الحزب وتباين في وجهات النظر والآراء في كيفية التحرك في المرحلة المقبلة وفي ظهور هذه الخلافات إلي العلن وهو ما لم يكن ممكنا حدوثة من قبل، أو ما لم يسمح الحزب الوطني بأن يحدث..! وهذا الاختلافات أو الانقسامات أوجدت انطباعا سيئا عن الحزب الوطني وسربت شعورا بأنه قد دخل مرحلة الشيخوخة المبكرة مما أدي بالبعض إلي التحدث عن امكانية انطلاق حزب جديد من بطن الحزب الوطني لتغيير الانطباعات السيئة التي تولدت لدي الجماهير عن الحزب ورجالاته! ويقينا فإن دماغ الحزب في حالة تفكير مستمرة للخروج من هذه الدوامة، والبحث عن صيغة أفضل للالتحام مع الجماهير وكسب ثقتهم مرة أخري استعدادا لجولات جديدة من مواجهات الشارع سيدخلها الحزب ضد جماعات أكثر تنظيما ومقدرة علي الوصول إلي المواطن العادي واستمالته إلي صفوفها! ولن يكون ممكنا في ظل ذلك التمسك بأي قيادة حزبية مهما كان نفوذها أو ثقلها تكون عاجزة عن اثبات وجودها وقدراتها الخاصة في تحقيق اضافة جديدة للحزب الوطني، فهي ليست مرحلة جبر الخواطر بقدر ما هي مرحلة لم الشمل في مواجهة تحديات قاسية وشارع لم يعد سهلا إرضاؤه أو قيادته..!! ان التحديات التي يواجهها الحزب الوطني أصبحت كثيرة ومتنوعة ولعل أهمها حاليا والأكثر إلحاحا هو كيفية ملء الفراغ التنظيمي والحزبي، وهو تحد ليس بالسهل وليس باليسير ايجاد مخرج له..!