خاض مارك هيرو منذ توليه قيادة شركة الكمبيوتر هيوليت - باكارد (H.P) الكثير من المعارك الشرسة ليضع هذه الشركة التي تبلغ قيمتها السوقية 90 مليار دولار مرة اخري علي الطريق الصحيح بعد سنوات من الأداء السيئ. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان مارك هيرو - 49 عاما - قد اختير لرئاسة هيوليت - باكارد بعد اجبار رئيستها السابقة كارلي فيورينا علي الاستقالة وانه استطاع في غضون عام واحد خفض التكاليف والاستغناء عن 10% من قوة العمالة وتركيز استراتيجية الشركة حول عددا محدد من المهام والانشطة، وفصل اقسام الانتاج عن اقسام الخدمات.. واستقدم عدد من كبار المديرين من خارج الشركة للعمل معه برغم ان هيوليت - باكارد معروفة بانها شركة متعصبة لابنائها. وقد عمل هيرو بهدوء وبعيدا عن اعين الصحافة والاعلام بعكس فيورينا التي كانت تعشق النجومية.. وهو رجل عملي يؤمن بان الرؤية وحدها لا تكفي لنجاح أي شركة لان الاهم من وجود الرؤية هو وضعها موضع التنفيذ.. ويقول هيرو انه يشعر بالاستياء اذا ما سأل احد عن اهمية الرؤية لان الرؤية ما لم ترتبط باستراتيجية قابلة للتطبيق تصبح بلا قيمة فكل شيء يجب ان يكون قابلا للحساب وليس مجرد كلمات مرسلة.. ويتصرف هيرو ببساطة مع مرؤسيه من مختلف الدرجات فهو علي سبيل المثال يفضل ارتداء رابطة العنق ولكنه اثناء الاجتماعات يسمح لمن يريد من المديرين ان يحضر الاجتماع بقميص مفتوح وبدون رابطة العنق.. وربما كانت هذه امور متوقعة من رجل قضي 25 عاما من حياته العملية في شركة كبيرة مثل (NCR) صعد خلالها السلم القيادي من اوله قبل ان يقبل الانتقال الي هيوليت - باكارد. ولعلنا نذكر ان هيرو تسلم هيوليت - باكارد بعد اندماجها المتعثر مع كومباك وهو الاندماج الذي تم في عام 2002 وكان سببا في القضاء علي مستقبل الرئيسة السابقة كارلي فيورينا.. لقد كانت الفكرة من وراء هذا الاندماج هي الاستفادة من وفورات الحجم الكبير في صناعة الكمبيوتر الشخصي التي تتقلص هوامش ربحها عاما بعد عام وليس تنشيط قسم الطابعات والحبارات الذي يعد مصدرا ثريا للايرادات.. وقد ارتهنت فيورينا كل مستقبلها علي هذا الاندماج واستطاعت ان تمرره بين حملة الاسهم علي الرغم من معارضة عائلتي هيوليت وباكارد.. وبعد اتمام الاندماج فشلت فيورينا في تشغيله او الحصول علي نتائج سريعة من ورائه.. وبدأت أموال الشركة تتدهور وسعر سهمها ينخفض وفي ظل هذا المناخ دعا هيرو لاعادة الامور الي نصابها مرة اخري. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان هيرو وجد نفسه امام شركة تتكون من عدد كبير من الوحدات الخاسرة.. وان القسم الرابح فيها وهو قسم الطابعات والحبارات لا يحظي بما هو ضروري من الاهتمام.. وكانت الشركة تبيع كل شيء من البرمجيات وحتي شاشات الكريستال السائل لاجهزة التليفزيون.. ولم يشأ هيرو ان تكون حركته عشوائية وبدأ اصلاح الشركة بتقسيمها الي ثلاثة اقسام اساسية.. قسم للخدمات وبرمجيات الشركات.. والقسم الثاني لاجهزة الكمبيوتر الشخصي وما شابهها من معدات والقسم الثالث للتصوير والطباعة وتأمل الشركة ان تستفيد جيدا من النمو الحادث في اسواق بعينها مثل سوق الطابعات التجارية وسوق برمجيات الشركات. ونستطيع القول ان بعض هذه الاصلاحات بدأ يؤتي ثماره بالفعل.. ففي عام 2003 عقب الاندماج مع كومباك مباشرة كان قسم الطابعات يدر بمفرده ثلاثة ارباع ما تحقق هيوليت - باكارد من ارباح.. اما الان فقد زاد اسهام الاقسام الاخري في الارباح واصبح نصيب قسم الطابعات لا يتجاوز ال 50% من الارباح الكلية للشركة.. وقد زادت المبيعات بعد ان اصبح المديرون وقسم التسويق يخضعون للمحاسبة وحتي مبيعات قسم الكمبيوتر الشخصي زادت علي الرغم من ان هوامشه لا تتجاوز ال3% اما قسم الطابعات والحبارات فقد ارتفعت هوامشه الي 15% ويشهد الناس داخل وخارج هيوليت - باكارد ان هيرو قد اعاد شحن وتنظيم قواته بنجاح كبير. وحتي الان يستبعد هيرو بيع اي قسم من اقسام هيوليت -باكارد علي الرغم من دعوة كثير من المحللين الي بيع قسم الكمبيوتر الشخصي او علي الاقل فصله كليا عن الشركة، كما قرر هيرو ايضا عدم القيام بأية صفقات اكتساب او اندماج كبيرة في الوقت الراهن وان كان قد عقد في الاشهر ال18 الاخيرة عدة صفقات صغيرة لدعم اقسام البرمجيات والخدمات والطابعات بشكل خاص.. ويستهدف هيرو علي المدي الابعد استراتيجيا ان يجعل لشركة هيوليت - باكارد سمة بارزة مميزة ولكن اختيار هذه السمة المميزة لم يتم بعد وربما كان هذا هو سر اتهام هيرو بانه يفتقد الرؤية في خطته لاصلاح هيوليت - باكارد.. وعموما فان المنطق العملي قد يكون احيانا هو الانسب بدلا من رؤية لا يمكن وضعها موضع التنفيذ.