التغير في الانظمة الحاكمة للتجارة العالمية وانتشار العوائق غير الجمركية ولد الحاجة الي اجراءات داخلية ضمن حدود الدولة نفسها. ومن المهم الاشارة الي ان عصر العولمة الذي نعيشه مع انخفاض التعريفة الجمركية يؤكد ان التحرير العميق للتجارة اكثر فعالية من التحرير السطحي. وهناك العديد من الامثلة التي توضح ان التحرير السطحي لم يعد فعالاً بأي شكل من الاشكال والمثال علي ذلك هو منطقة التجارة الحرة العربية الكبري "جافتا" والي بدأت التنفيذ كاملاً "أصبحت الجمارك صفراً في عام 2005". هذه الاتفاقية توضح مثالا حقيقيا للتحرير السطحي الذي لم يتعد ازالة التعريفة الجمركية ولكن في حقيقة الامر هناك العديد من المشاكل التي تواجه تطبيق هذه الاتفاقية مثل غياب الاتفاق علي قواعد منشأ تفصيلية وعدم وجود معايير موحدة وعدم وجود آلية لفض المنازعات وهي كلها عوامل او مقومات التكامل العميق .. بالتالي فان مزايا تحرير التجارة العربية البينية من المتوقع ان تبقي غير مستغلة الي حد كبير. وهناك مشكلة كبري تواجه الدول النامية حينما تدخل مع الدول المتقدمة في اتفاقيات تكامل اقليمي حيث تثأر دائما مشكلة التكامل "العميق" وفي العقد الاخير حاولت كل من الولاياتالمتحدةالامريكية والاتحاد الاوروبي ادخال عناصر التكامل العميق في اتفاقيات التكامل الاقليمي الخاصة بهما مع دول العالم النامي حيث كانت تطالب الدول النامية بتوفيق القوانين التي تتعلق بالتجارة خاصة في مجال العمل والبيئة مع قوانين الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي الداخلية ونتيجة لضعف الكفاءات والقدرات الفنية والبشرية في الدول النامية غالبا تفشل هذه الدول في الاستجابة لمطالب التكامل العميق. وبالتالي نجد ان هناك العديد من هذه الدول التي اقرت مباديء التكامل العميق ولكنها عاجزة عن تنفيذها ومثال علي ذلك هو التشريع المصري الجديد الذي صدر عام 2002 بشأن حقوق الملكية الفكرية فهذا القانون يتوافق مع التزامات مصر تجاه منظمة التجارة العالمية وخاصة اتفاقية "التريبس" ولكن مصر تجد صعوبة كبري في تطبيق هذا القانون لافتقادها القدرات البشرية والفنية اللازمة لتطبيق مثل هذا القانون. وجدير بالاشارة ان التكامل العميق لا يؤدي بالضرورة الي افضل النتائج حيث ان توحيد او تقريب القوانين والاجراءات قد يمتد لقوانين او اجراءات سيئة او مقيدة للتجارة ومثال علي ذلك السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الاوروبي والتي تشتهر بحمايتها للتجارة ومن ثم فان الاعضاء الجدد في الاتحاد الاوروبي يطبقون مثل هذه السياسة التي هي بالفعل سياسة مقيدة للتجارة تجاه العالم الخارجي مما يعني ان التكامل العميق في هذه الحالة اثر سلبا علي تحرير التجارة وليس ايجابا. وقد اردنا توضيح ان تحرير التجارة لا يعني فقط تخفيض التعرفة فلم يعد ذلك كافيا .. فلكي يكون تحرير التجارة فعالا يجب ادخال عناصر التحرير العميق للتجارة لضمان كفاءة التحرير بشرط ان يكون التعميق في سياسات وقوانين هي في حد ذاتها مكملة لتحرير التجارة وليست مقيدة لها. ولكن يجب التأكيد علي ان التحرير العميق يجب ان يتناسب مع مرحلة التنمية في الدول النامية فمن الصعب مطالبة الدول النامية باتخاذ اجراءات تحرير عميق لتجارتها بينما هي تفتقر لاساليب وادوات هذاا التحرير فمثلا من الصعب مطالبة دولة نامية مثل مصر بأن تطبق الشروط والاجراءات الصحية التي يتبعها الاتحاد الاوروبي او الشروط البيئية في الولاياتالمتحدةالامريكية لانها تفتقرالي اساليب تنفيذ هذه الشروط والاجراءات ومن هنا فإن منطق التدرج في التطبيق يصبح ضرورة حتمية لضمان تنفيذ وفعالية التكامل العميق. الرابحون والخاسرون في المجتمع من تحرير التجارة ان تحرير التجارة يتضمن مكاسب وخسائر لاطراف عديدة في المجتمع وعامة نجد ان المستهلكين هم الرابحون دائما من تحرير التجارة والسبب في ذلك ان الاجراءات المقيدة للتجارة تمنعهم من الحصول علي سلع وخدمات من الاسواق الخارجية عديدة ومتنوعة وبأسعار غالبا ما تكون ارخص من مثيلاتها في السوق المحلية. وبالرغم من وجود اجماع لدي الاقتصاديين علي استفادة المجتمع كله من تحرير التجارة فإن الوضع الفعلي لا يشير الي ذلك فمن ناحية تخسر الحكومة الحصيلة الجمركية وكذلك يخسر العاملون في الحكومة "كالعاملين بمصلحة الجمارك" والسبب في ذلك ان الاجراءات المقيدة للتجارة ومستويات التعرفة المرتفعة تكون غالبا مرتبطة بفساد وانشطة اخري لتحقيق ربح للقائمين علي تنفيذ الاجراءات ولذلك غالبا ما نجد رفض من قبل المسئولين لتنفيذ الاجراءات لتحرير التجارة.