الموضوع مقلق ومستفز من عدة جوانب متعارضة وأسلوب التعامل معه يجب أن يدرس حتي لا يأتي بنتائج عكسية فليس بحرق السفارات واعلان مكافآت لقتل الرسامين تتم نصرة الرسول -صلي الله عليه وسلم- بل يؤكد المسلمون بذلك الصورة التي حاولت رسومات الصحيفة الدنماركية تكريسها وهي صورة المسلم الارهابي الامر مستفز منذ بدايته عندما اعلنت صحيفة "يلاندس بوستين" الدنماركية عن مسابقة لرسم النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- وانهالت عليها رسوم هواة مستوحي اغلبها للاسف من الصورة التي ترسخت في اذهان المواطن الغربي العادي خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر علي الولاياتالمتحدة تلك الصورة التي اسهم في تكريسها من ناحية اعلان غربي مغرض واسهم ربما بدرجة اكبر فيها المسلمون انفسهم بتساهلهم مع التطرف والاساءة للاسلام بالقتل والتدمير والتخريب والتحريض والتنفير من الآخر باسم الاسلام. احتدمت المشكلة بعد ذلك بالاحتجاجات العنيفة في العالم الاسلامي فعاند الجانب الاخر وسعي لتأكيد موقفه فاعادت العديد من الصحف الاوروبية نشر الرسوم تضامنا مع الدنمارك. الموقف من المسلمين والموقف من اليهود وعلي إحدي القنوات الفضائية شاهدت حديثا مع رئيس تحرير واحدة من الصحف التي نشرت الرسوم التي يصور احدها النبي مرتديا عمامة علي شكل قنبلة سأل المذيع رئيس التحرير عما اذا كان يمكن ان ينشر رسما كاريكاتيريا يسخر من الهولوكوست ورد رئيس التحرير بحسم ودون لحظة تفكير واحدة قائلا: لا وبرر ذلك بانه لا يوافق علي "اضطهاد اقلية عرقية" وان هذا موقف سياسي وليس دينيا وهنا لا يسعني سوي القول ان اليهود اشطر بكثير منا فقد نجحوا في فرض احترام الآخر لهم رغم ما يفعلونه يوميا من مذابح ونحن رغم اننا ضحايا هذه المذابح نبدو وكأننا نحن الارهابيون لافتقارنا لشيء مهم جدا في العلاقات هو تصدير الصورة التي نريدها عن انفسنا وبعد ذلك لاحظت ان وسائل الاعلام الغربية تصر علي عبارة في كل تقاريرها تقريبا تفيد ان المسلمين يحرمون تصوير الانبياء وكأن هذه فقط هي المشكلة وهنا تذكر كلام رئيس التحرير فلو كان الأمر مجرد تصوير لما غضب احد لكن المسألة هنا تنطوي علي خطاب سياسي واضح وهو اتهام امة وشعب يمثل "اقلية عرقية" في تلك الدول بالارهاب وانطلاقا من ذلك كان يتعين ان يكون هناك رد سياسي.. حقيقة لا أعرف كيف يكون لكنه يجب ان يتعلق بالضرورة بتغيير الصورة الخاطئة الراسخة في اذهان مواطني الغرب العاديين عن الاسلام وكسبهم في صفنا وهو امر ليس صعبا فقد اظهر استطلاع رأي نشرته صحيفة دنماركية الاسبوع الماضي ان اكثر من نصف الدنماركيين يتفهمون موقف المسلمين وسبب غضبهم. هل نحن مستعدون لمقاطعة بضائعنا؟ وجاءت المقاطعة للسلع الدنماركية وبدت في نظري للوهلة الأولي رد سياسي معقول وأذهلني نجاحها بالارقام فشركة واحدة تنتج انواعا شهيرة من الزبد والجبن تخسر 8.1 مليون دولار يوميا من فقد مبيعاتها للشرق الاوسط ثاني اكبر اسواقها بعد اوروبا فرحت في بادئ الامر لان العرب والمسلمين بعد كل ما نراه من تخاذل وقلة حيلة وضعف في كل القضايا الوطنية نجحوا في شيء. لكن بعده حدثت واقعتان.. افتخر رئيس تحرير صحيفة مصرية خاصة محدودة التوزيع بانه كان اول من نشر الرسوم عندما بدأت المشكلة قبل اربعة اشهر رغم ان الصحيفة لم تثر انتباه احد في ذلك الوقت نشرها طبعا للتنديد بها وربما ايضا "لممارسة حرية التعبير" التي تسوقها الصحف الاوروبية كمبرر للنشر وبعدها نشرت صحيفة قومية علي سبيل الخطأ صورة لشخص يحمل صحيفة تظهر بها الرسوم وتداركت الصحيفة المصرية الخطأ واعدمت 40 الف نسخة قبل توزيعها لكن بعضها تسرب مما اثار استجوابا في مجلس الشعب. وهنا قفز السؤال الي رأسي ألسنا الآن في نفس موقف الدنمارك؟ ماذا يكون موقفنا كمصريين لو قاطع العالم الإسلامي بضائعنا بسبب موقف لصحيفة خاصة لست انا أو انت او صاحب اي مصنع او مزرعة مسئولين عنه او بسبب خطأ مهني تم تداركه بنسبة سمحت بتسرب بعض الاعداد؟ هل نحن مستعدون لتحمل ذلك؟ أبعاد أخري ومازال الغضب يشتعل والموقف يأخذ ابعادا سياسية من جانب ويثير النعرات الطائفية من جانب آخر فخرجت امريكا تتهم سوريا وايران بالتحديد بالتحريض مع ان السفارات الغربية هوجمت في دول اخري كذلك وخرج رجل دين باكستاني علي العالم باعلان مكافآت مالية لمن يقتل رسامي الكاريكاتير الدنماركيين. وهنا اخطر علي بالي تصرف يمكن عمله لمواجهة هذا التصعيب الذي ينذر بعواقب وخيمة وهو محاكمة هذا الباكستاني وامثاله في بلادهم ليس بتهمة التحريض علي القتل بل بتهمة الاساءة للاسلام. المشكلة عندنا المشكلة عندنا لو حسمناها ووحدنا صورة الاسلام التي نريد ان نعرفها للعالم وقبله لابنائنا وعملنا علي تكريسها في اذهانهم واذهاننا لن يحدث مثل ما حدث ولو حدث سنكون اكثر قدرة وحكمة وهدوءا في التعامل معه لكننا مغلوبون مقهورون نعاني من مرارات ومظالم اخري وننفس عنها بأي شيء ضد الغرب فنصفق لكل من يوجه له صفعة حتي لو كان ارهابيا يسيء لنا قبل ان يضرهم نتصرف دون موقف مدروس وتكون النتيجة في النهاية هي اننا نسيء لديننا اكثر مما فعل رسامو الدنمارك الا يمكننا ان نرسم صورة جديدة حقيقية نستند فيها للتاريخ ان كان حاضرنا الاسلامي يخلو من التسامح ونغير فيها من واقعنا وسلوكنا فنعرض سيرة النبي وسلوكه وتعاملاته مع جيرانه واهله واهل الكتاب ونعرض سيرة عمر بن الخطاب وعدله مع الأعجمي وغيرها من الصور علها تبدد بعض الشيء الصورتين العالقتين وحدهما في اذهان الغرب عن الاسلام وهما صورتا اسامة بن لادن وابو مصعب الزرقاي فاذا رضينا بان يمثل هذان الرجلان ديننا فقد رضينا الهوان وإلا فعلينا ان نجد غيرهما يمثلوننا في اعين الناس قبل ان نشكو ونبكي علي اهانة ديننا ونبيننا وكرامتنا.