صاحب المقام الرفيع، محمد توفيق باشا، تولي رئاسة الوزراء في مصر ثلاث مرات. الأولي عام 1920 في أعقاب ثورة 1919 لمدة عشر شهور والثانية عام 1922 لمدة 3 أشهر، والثالثة عام 1934 لمدة 14 شهرا.. وتولي منصب الوزارة سبع مرات متنقلا بين وزارات الاوقاف والداخلية والمالية.. وكان رئيسا لديوان الملك أحمد فؤاد الاول ملك مصر مرتين. تزوج لاول مرة وهو في الخامسة والعشرين، وتوفيت زوجته الاولي قبل ان تضع مولودها الاول بشهر واحد، فعاش مع حماته في بيت واحد، فلما توفيت أوصت له بكل أملاكها. وكانت زوجته من اجمل سيدات مصر. وفي عام 1937 وقع الباشا في غرام فتاة نمساوية اسمها "ماري هوبنر" اثناء وجوده في فيينا. ورغم ان الباشا الصعيدي القادم من اسيوط كان في السابعة والستين من العمر والخطيبة الشقراء الجميلة في السابعة عشرة، اي ان الفارق في السن بين الطرفين نصف قرن، فان كيوبيد اخترق حاجز الزمن. لكن المجتمع المصري هاج وماج ولم يقبل هذه الزيجة لاسباب متعددة، بعضها متعلق بالفلوس وبعضها بالتقاليد وبعضها بالامن القومي. فكتبت صحيفة "المصري" تقول: "لو كان نسيم باشا فردا عاديا لما كان لأحد ان يعني بمسائله الشخصية. ولكن الامر يتعلق بنسيم باشا الرجل العام الذي بلغ في مصر اسمي المراتب، واصبح تاريخه جزءا من تاريخ البلاد. وقدم لمصر من الخدمات ما يستحق معه ان يحرص المصريون جميعا علي الا يترك في شيخوخته هدفا للطمع والطامعين. والمسألة بعد هذا كله لا تمس شخص نسيم باشا، الرجل العام وكفي. ولكن لها ناحية قومية وطنية لا يمكن ولا يجوز ألا يقام لها اكبر نصيب من الاعتبار. وتلك الناحية هي تعرض ثروة ضخمة للتسرب الي الخارج، والتدفق في جيوب اجنبية بعد ان كانت مرصودة للخير العام داخل البلاد". وتمضي القصة بعد ذلك لتأخذ ابعادا ميلودرامية مثيرة.. تقرأ تفاصيلها في كتاب الاستاذ محسن محمد " رؤساء الوزارات بالوثائق السرية البريطانية والامريكية" الصادر حديثا عن دار "الشروق". الكتاب يطلعنا علي أسرار السياسة البريطانية والامريكية ويتناولها من خلال ثمانية من رؤساء وزارات مصر: عبدالخالق ثروت، سعد زغلول، محمد محمود، اسماعيل صدقي، عبدالفتاح يحيي، مصطفي النحاس، توفيق نسيم، ومحمود فهمي النقراشي. ورغم ان الكتاب في التاريخ الا انه يتحول علي يد استاذنا الكاتب الكبير محسن محمد الي كتابة جميلة ومشوقة تغري كتاب السيناريو علي استلهام فصولها وتحويلها الي افلام ومسلسلات ومادة درامية، تراجيدية حينا وكوميدية حينا اخر وميلودرامية في بعض الاحيان.. والفضل في ذلك للعين البصيرة لهذا الكاتب الكبير التي تستطيع ان تخترق جبال التفاصيل المغطاة بتراب الزمن وغبار الاهمال وخرافات اساءة الفهم والتفسير، وتطلع علينا بجواهر ثمينة مدفونة تحت هذا الركام وتلك الاطلال. ثم يأتي هذا القلم الساحر ليستنطق تلك الوقائع "المكتشفة" بأسلوب السهل الممتنع الذي يميز معظم كتابات محسن محمد. وبالترحال بين العين البصيرة وسن القلم المدرب علي الكتابة الجميلة نعيد اكتشاف تاريخ مصر.. وربما نعيد اكتشاف انفسنا ايضا. استاذ محسن محمد: شكرا علي هذه المتعة التي وهبتها لنا عبر 320 صفحة لم استطع ان ارفع عيني عنها قبل الانتهاء من آخر كلمة فيها.