د. أسامة الرافعي أمن الشعوب وسلامتها لا يمكن أن يتوقف علي مجموعة من الشعارات او النوايا الطيبة. ودعونا نطرح سؤالا مهما وهو: هل امكننا بالفعل التعامل الجدي مع ظاهرة الارهاب في مصر؟ وهل حولنا شعار لا للارهاب الي تطبيق عملي او فعلي وهل لدينا حكومة وشعبا رؤية واضحة ومتكاملة وناضجة للتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة؟ للإجابة علي هذا السؤال الكبير لابد أن نقرر بشكل واضح أن الجهود الامنية والسياسية والاقتصادية والاعلامية التي تتعامل مع الارهاب تحتاج الي مراجعة شاملة. علي الصعيد الامني هناك حقيقة قائمة وهي ان الارهاب خلال شهور قليلة وصل الي قلب العاصمة "في الازهر" ثم الي طابا واخيرا مدينة السلام شرم الشيخ ولا توجد اية ضمانات تؤكد انحساره او عدم تكراره.. وعلي مستوي الشارع المصري لا نعرف اي تخطيط استراتيجي أمني للتعامل مع هذه الظاهرة رغم كل التأييد الشعبي والرسمي لاجهزة الامن ورغم ما لديها من صلاحيات وتفويض شبه كامل من جموع الشعب وقوانين استثنائية وحرية مطلقة في التعامل مع الارهابيين وهنا اقصد التجاوزات المعروفة التي اصبحت مطبقة حتي في بعض الدول التي تمارس الديمقراطية شكلا وموضوعا. واللافت للنظر ان رجل الشارع غير المتخصص في النواحي الامنية اصبح يطالب اجهزة الامن ليلا ونهارا بعمل احتياطيات امنية ابتداء من الارتفاع بكفاءة الشرطة مرورا بضرورة الحصول علي احدث التقنيات والاجهزة الي تدريب الضباط وانشاء فرق لمكافحة الارهاب علي مستوي عالمي وانتهاء بالتعاون مع الدول المتقدمة او التي لها خبرة ودراية في التعامل مع ظاهرة الارهاب. ومن الغريب جدا ان نستمع الي تصريحات من مسئولي الامن بعد احداث شرم الشيخ ان هناك حوالي 12 منفذا بالجبال المحيطة بشرم الشيخ يمكن الدخول منها الي المدينة التي تستقبل 25% من حجم السياحة الوافدة الي مصر فضلا عن احتضانها للقاءات قمة عربية او عالمية.. (لاحظ عدد المنافذ 12 وليس واحدا او اثنين) اما الاغرب من كل ذلك فهو ما سمعناه ايضا بعد انفجارات شرم الشيخ من ان الاجهزة الامنية سوف تتعامل مع منافذ شرم الشيخ ومنافذ جميع المناطق السياحية بمصر بنفس الطريقة التي طبقت بالاقصر بعد حادثة الاقصر الشهيرة وماذا كنا ننتظر طوال هذه الفترة؟ هل لابد ان تحدث مصيبة كبيرة حتي نطبق النظام الذي طبق بالاقصر وثبت نجاحه؟ قضية أخري مهمة تتعلق بموضوع الأمن وهي أن الشارع المصري حتي الآن لم يعرف تحديدا الجهة التي تخطط وتنفذ هذه العمليات الارهابية.. واعتقد ان هذا حق اصيل للشعب اي لابد لكل فرد ان يعلم بالضبط من هو عدوه الحقيقي دون مواربة او تعتيم لان مسئولية الامن مسئولية جماعية وليست مسئولية وزارة الداخلية وحدها.. ومعرفة العدو الحقيقي ضرورة لاعداد الشعب لمواجهته ومتابعة خطته والتعامل معه. علي الصعيد السياسي.. وبفرض ان الاحزاب السياسية هي التي تشكل جوهر العمل السياسي وتحركه فاننا لم نلحظ ايضا اي فكر سياسي استراتيجي للتعامل مع ظاهرة الارهاب بل لعلة ليس من المبالغة القول بان اهتمام الاحزاب السياسية خلال المرحلة الحالية ينصب بالدرجة الاولي علي موضوع الانتخابات الرئاسية وتعديل المادة 76 من الدستور دون ان يكون هناك اي تفعيل حقيقي لشعار لا للارهاب. والقريب من الاحزاب يستطيع ان يعرف بسهولة تامة ان قضية الارهاب لا تدخل ضمن اولوياتها وقد لا توجد علي اجندتها اصلا!! اما اذا نظرنا الي السياسة الخارجية للدولة فيبدو انها اكتفت بالترويج لمبادرة الرئيس مبارك بشأن الدعوة الي عقد مؤتمر دولي للارهاب علي الرغم من ان احداث الارهاب في امريكا ولندن والسعودية والعديد من دول العالم قد فرضت علي هذه الدول ان تضع قضية الارهاب علي قائمة اولوياتها وتم تهيئة المجتمع الدولي بجميع حكوماته واجهزته ومنظماته للتعاون من اجل التعامل الجاد مع هذه الظاهرة وبالتالي فان الدعوة الي انعقاد مؤتمر دولي لمكافحة الارهاب تبدو الآن وكأن الاوضاع الحالية قد تجاوزتها ومن هنا فان السياسة الخارجية للدولة مطالبة الآن بما هو أهم وأخطر من توجيه جهودها لانعقاد هذا المؤتمر.. بل المطلوب هو تكثيف جميع الجهود الدبلوماسية مع جميع الاطراف الدبلوماسية الصديقة وغير الصديقة بغرض التعامل مع مشكلة الارهاب. وبصراحة اكثر فالمطلوب من السياسة الخارجية في هذه المرحلة ان تعيد تشكيل استراتيجيتها وخططها بما يتفق مع نبض الشعب ومعاناته وكرامته! وعلي الصعيد الاقتصادي فربما تكون القضية اكثر تعقيدا اذا كان حقيقيا ما يردده الكثير عن الدوافع الاقتصادية لمرتكبي العمليات الارهابية وحالة اليأس والاحباط التي تصاحب الاوضاع المعيشية لفئات كثيرة من الشعب.. والناظر الي التاريخ القريب يتذكر احداث الامن المركزي والدوافع الاساسية لتحريكها.. فقد شكا الجنود البسطاء وقتها بانهم يشاهدون السائحين من معسكراتهم بالمايوهات علي حمامات السباحة وهم لا يجدون المياه لل