«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدمة المعارضة في خطاب الرئيس

تكشف التصريحات المتسرعة لبعض المعارضين، وطبيعة التغطيات الصحفية المتعجلة من الصحف الخاصة.. التي صارت صحافة للمعارضة في مصر، لخطاب الرئيس مبارك في عيد العمال.. أنها إما لم ترد أن تصدق ما جاء في الخطاب.. أو أنها لم تستوعبه رغم وضوحه.. أو تريد أن تتجاهل ما جاء فيه من رسائل شديدة الصراحة.
والانتباه إلي ما جاء في تلك التغطيات أمر مهم، في ضوء أن (المعارضة) الطارئة التي أنتجها الحراك وبلورتها اتجاهات «الاحتجاج لمجرد الاحتجاج»، ليست لديها كيانات سياسية تعبر عنها، وإنما هي ظواهر صحفية وإعلامية أكثر من كونها ظواهر سياسية.
عمليا، سبب الخطاب، من حيث الأداء، ومن ناحية طول مدته (40 دقيقة تقريبا)، وطريقة إلقائه، والمسائل التي تطرق إليها، سبب صدمة للمتابعين من المعارضة.. إذ بنوا توقعاتهم - لست أعرف علي أي أساس - علي أن الرئيس سوف يلقي كلمة متعجلة.. وبما يتناسب مع تصورات هؤلاء المعارضين لما أقنعوا به أنفسهم بشأن الحالة الصحية للرئيس بعد الجراحة التي أجريت له.. ثم كان أن فوجئوا به يتحدث عن (انطلاقة جديدة)، و(خطوات جديدة)، ويتكلم بلغة الواثق من أدائه كما لو أنه يبدأ مهمته الرئاسية في حكم مصر يوم إلقاء الخطاب..متعه الله بالصحة.
قبل سنوات وصف الرئيس ترديدات معارضين حول أمر ما بأنه (كذبة أطلقوها وصدقوها)، ويمكن القول أن المعارضة التي تلقت (نصحا تحذيريا) في خطاب مبارك يوم الخميس، تقوم في بنيانها ومقوماتها علي مجموعة من الأكاذيب التي صنعتها بالفعل.. وصدقتها بالتأكيد.. بل راحت تمضي في تحليل مضامين تلك الأكاذيب وتبني عليها الاحتمالات.. كما لو أنها تشيد قصرا من الرمال. ولعل أهم ما تخفيه تلك الأكاذيب عن أعين المعارضة، هو فهمها لكنه شخصية الرئيس مبارك، بملامحها المتكاملة ومواصفاتها المركبة، وتاريخها الممتد، وقراءتي الشخصية لطريقة تفكير تلك المعارضة الاحتجاجية.. المثيرة للصخب.. هي أنها لاتستطيع أن تستوعب كل هذا.. ولا تعرف علي وجه اليقين من هو الرئيس مبارك.. ولاتدرك الدوافع التي تحركه.. ومن ثم فإنها تبني تصورات علي أسس خاطئة.
عموما، الرئيس، باعتباره شخصية ذات مقومات مركبة، لايمكن سبر أغوارها في كلمات متعجلة، لاينتبه الكثير من المعارضين الجدد إلي أن أهم مقومات شخصيته هي: تحديد الهدف، الإرادة الحديدية، الجهد المنظم، توظيف الإمكانيات المتاحة من أجل الهدف، استخدام المناورة الذكية - وأهم قواعد المناورة عدم الإعلان عنها - الالتزام بقواعد التفاعل القانونية، الإصرار علي المصالح الوطنية التي لا تقبل التنازل.. والأهم من الهدف نفسه هو أنه يحدوه الإحساس العميق بمجده التاريخي وما سوف يذكر مقرونا في الصفحات باسمه.
هذه أمور لاتنتبه إليها المعارضة الاحتجاجية الناشئة في ظروف مغايرة، وتتجاهلها، وتعتقد أنها يمكن أن تفرض أجندتها علي المجتمع ورئيس الدولة، وبسبب الخيال المحدود، والتصورات الساذجة، فإنها تظن أن الحراك يمكن أن يقودها إلي تفجير ثورة في البلد، أو أن بضع صور ودعايات سوف تؤثر في القرار الوطني بما يقود إلي تحقيق ما تسعي إليه.
- درس مرحلة بوش
هؤلاء لا يعون درسا قريبا جدا ولم يزل طازجا، ولم ينتبهوا إلي طريقة تعامل الرئيس مبارك مع حقبة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، وقد كان متغطرسا.. مدفوعا بمبررات جريمة 2001 الإرهابية.. وأجندة معروفة للمحافظين الجدد.. لقد كان بوش يعلن بصريح العبارة أنه سوف يقلب المجتمعات في الشرق الأوسط.. وأنه سوف يبدل الأنظمة.. وأنه سوف يدفع بالفوضي الخلاقة إلي المنطقة ليعيد بناءها وفق مرئياته.. وذهب بوش وأجندته وكل ما خطط وسعي إليه وحقق مبارك هدفه.. أو مجمل أهدافه الوطنية.. إثر كل تلك الرياح العاتية التي شنتها إدارة بوش.
لم يرضخ مبارك لضغوط بوش المهولة.. بل تعمد ألا يسافر للولايات المتحدة في وجوده منذ 2004، حتي إذا كان بوش قد جاء خلال تلك الفترة إلي مصر مرتين أو ثلاثا.. وأدي موقف مصر العنيد إلي حماية المنطقة من تقلبات مهولة لو أنها استجابت إلي الخطط المعلنة بشأن تثوير المجتمعات العربية تحت شعارات الديمقراطية.. وأصر مبارك علي أن يحكم إيقاع التطوير في بلده وفقا لرؤيته لمقدراته وطبيعته.. وفي يوم الخميس قال الرئيس في خطاب عيد العمال موجها كلامه لمن أعتبرهم - من جانبي - (ورثة بوش في منهجه ومن أنتجتهم تمويلاته): «لامجال في هذه المرحلة الدقيقة لمن يختلط عليه الفارق الشاسع بين التغيير والفوضي.. وبين التحرك المدروس والهرولة غير محسوبة العواقب».
إن الأقلام المستمرئة تعتقد أنها تكتسب مساحات في الساحة من مكانتها، وتصدق أن هذا الذي تنحو إليه ناتج عن شجاعة منها، وتتجاهل أن الحراك كله هو ناتج عن قرار مبارك نفسه.. وربما لا ينتبه هؤلاء إلي أن الرئيس يكرر هذه الأيام أن التفاعل غير المسبوق في حركة المجتمع هو محصلة ما بادر إليه بالتعديلات الدستورية في عامي 2005 و2007. بمعني أن هذا كله قد جاء من فعل قراراته.. ومن ثم فإن المعارضة حين يمضي بها التفاعل إلي أن تذهب حتي انتقاد الرئيس ثم التجرؤ عليه.. وأيضا التهجم علي سيرته وموقعه.. إنما تتغافل حقيقة أصيلة.. وهي أنها تمارس تحركها في إطار ما قدمه مبارك من تطوير وإصلاح.
هنا لابد أن نعود إلي مقوم (الإحساس بالمجد التاريخي الذي يخالج الرئيس حين ينظر إلي ما سوف يذكر بشأن سيرته في كتاب مسيرة الوطن).. ونتساءل: هل يمكن أن يكون الذي ذهب إلي أن يسجل في التاريخ باسمه أنه هو الذي خلق هذا الحراك.. هو نفسه الذي يقبل أن يقرن اسم عصره ببلوغ الفوضي.. أو أن يتحول التفاعل إلي خراب.. أو أن يكون التطور الذي قدمه مقرونا بانهيار المجتمع؟
إن الإجابة عن هذا التساؤل قد تقود من في رأسه عقل إلي فهم أبعاد الشخصية الحاكمة، التي تدير الحراك، حتي لو لم يتداخل صاحبها - أي الرئيس - في متغيرات هذا الحراك.. وحتي لو طالته هو شخصيا شظايا السذاجة وقلة الخبرة وانعدام النضج في التفاعل.. إن رضاءه وتغاضيه عن كل ما يتعرض له من تطاول.. باعتباره علامة في تاريخ البلد لن تتغير مكانتها.. وباعتبار أن قامته تتحمل كثيراً من هذا العبث.. لا يعني علي الإطلاق أنه يمكن أن يقبل بعد هذه التضحية الذاتية أن يكون البلد خاسراً.. وأن تكون المحصلة علي حساب المصلحة العامة.
- تحليل ميداني
المسألة أقرأها، وفق تحليلي الشخصي، في إطار نظرتي إلي مبارك باعتباره قائدا في ميدان معركة.. لديه هدف محدد.. وبالتأكيد فإن هذا القائد تحيطه النيران.. والأصوات الصاخبة لما يدور في الميدان.. وربما لاحقته بعض الأتربة.. من هنا وهناك.. لكن هذا لا يعني علي الإطلاق أن يتنازل عن هدفه.. وأن يقبل بتحول الصخب إلي وسائل تؤثر في سيطرته علي أرض ميدانه.
ومن ثم فلنقرأ تلك الفقرة في خطاب الخميس: «إنني أتابع ما تموج به مصر من تفاعل نشط لقوي المجتمع.. وأرحب به باعتباره ظاهرة صحية.. ودليلا علي حيوية مجتمعنا.. لكنني.. وقد قضيت عمرا في خدمة الوطن وشعبه.. أتحسب من أن ينزلق البعض بهذا التفاعل إلي انفلات يعرض مصر وأبناءها إلي مخاطر الانتكاس».
ولا أميل إلي التعامل مع كلمات الرئيس علي أنها عبارات عابرة، بل أعتقد أنها تكون هادفة إلي مقاصد محددة جدا.. ومن ثم فإنه من المهم ملاحظة أنه تكلم عن (تفاعل نشط لقوي المجتمع).. أي أنه لم يقصر رؤيته للحراك علي مجموعات المعارضة المستجدة في ميدان التحرير ووسط البلد.. هو يتكلم عن القوي المختلفة في المجتمع كله.. إذ إن ما خفي من الحراك كان أعظم من وقفات الاحتجاج العابرة إلي جانب سور مجلس الشعب.. وهو لا يعتبر هذا التفاعل ضررا.. بل ظاهرة صحية ومفيدة.. وبالتالي فإنه يتوقف عند (البعض) وليس (الكل).. هذا البعض هو الذي قد ينزلق إلي انفلات.
لقد استخدم الرئيس عبارات محددة.. وهو هنا لم يتنبأ بحدوث الانفلات.. حتي لو كان يري احتمالاته.. وإنما أخذ موقف النصح التحذيري بكلمة (أتحسب).. وكأنه يقول إن علي بقية القوي - خارج هذا البعض المنفلت - أن تحمي تفاعلها وحيويتها من تصرفات هذا البعض.. وإلا فإن (الانفلات سوف يعرض مصر وأبناءها لمخاطر الانتكاس).
- مكاسب إضافية
بالعودة إلي نموذج تعامل مبارك مع تحدي بوش، باعتباره مفصليا ورئيسيا في مسيرة مبارك.. أشير إلي نقطة أخري مهمة.. ذلك أن مبارك لم يستنفد بوش وأجندته فحسب.. ولم يفرغها من مضمونها ويسقط أهدافها بدون خسائر فقط.. وإنما ها هو الآن يحصد أن وجهة نظره التي سوقها منذ وقوع إرهاب 2001 قد أصبحت هي السائدة.. لقد ناضل بوش من أجل أن يثبت أن تخلف المجتمعات الإسلامية - علي حد رؤيته - هو الذي أدي إلي الإرهاب.. في حين ناضل مبارك إلي أن يثبت أن عدم تفهم الثقافة الإسلامية وبيئة المجتمعات العربية أدي لكوارث عالمية.. ولنشوء صراع الحضارات.. وأن إحساس المجتمعات العربية والمسلمة بالظلم ناتج عن معضلة قضية فلسطين.
ولاشك أن هذا هو الواقع الآن.. ورؤية بوش انهدرت.. وكلام مبارك هو الذي بقي.. ونلاحظ ذلك في محاولة تفهم أوباما للثقافة الإسلامية ولمد جسور التعاون معها في خطابه الشهير في جامعة القاهرة.. كما لاشك أن الجميع قد انتبه إلي ما قاله القائد العسكري الأمريكي باتريوس الذي قدر أن مصالح بلاده تتعرض للخطر وأرواح الجنود الأمريكيين تتعرض للتهديد بسبب أفعال إسرائيل.
هذا التحليل ليس خارج سياق خطاب عيد العمال، وليس بعيدا عن متغيرات الواقع في مصر، وإنما هو في القلب منه، ببساطة لأن البعض من المتفاعلين لا يحاول أن يعمل تفكيره في الرؤي التي يعلنها مبارك.. والمواقف التي يتبناها.. هي بالتأكيد غير مقدسة.. وبالتأكيد تقبل الجدل والحوار.. ولكن السوابق تثبت أنها علي قدر من العمق والخبرة.. بحيث تتحقق.. وإذا كان مبارك قد خرج من هذا التشابك مع خطط بوش منتصرا في حرب صامتة - الوصف ليست فيه مبالغة - فإن علي ورثة تلك الأجندة التي تركها صاحبها - ورثته في مصر - أن ينتبهوا إلي تلك السوابق.
قراءة خطاب الخميس، في ذات السياق، تقود إلي التعرف علي ملامح المبادرة التي يصر الرئيس علي ألا تشوهها محاولات الانفلات والفوضي.. هذه المبادرة الإصلاحية بمعناها التاريخي مشروطة.. وبمواصفاتها السياسية باعتبارها صفقة أو اتفاقا.. لها بنود.. لاتتم بدونها.. وقد كرر الرئيس تلك البنود أكثر من مرة في الوقت الأخير.. وفق ما يلي: (إصلاحات سياسية.. ترسخ دعائم الديمقراطية.. تدعم دور البرلمان والأحزاب.. تعزز استقلال القضاء.. وتنأي بالدين عن السياسة).
والمعني واضح.. إصلاح مؤسسي لا مظهري.. له أهداف محددة.. يقوم علي الأحزاب.. ويقوي دور البرلمان.. ويؤكد علي مدنية الدولة.. وعدم خلط الدين بالسياسة.. وبالتالي فإن كل من يعمل في خارج هذا السياق وبعيدا عن تلك الشروط.. فهو لا يقع تحت مظلة المبادرة.. ولايستفيد من بنود الصفقة.
- المبادرة والصفقة
إن كون مبارك هو الذي أعلن المبادرة لا يعني أنه يضع نفسه فوقها، الصحيح أنه وفق مواصفات موقعه المؤسسي يحكم السيطرة علي الإيقاع الحاكم لها، إلا أنه يرضخ لقوانينها، ولذا فإنه حين يتعهد مجددا بأن تكون الانتخابات (حرة ونزيهة).. برلمانية أو رئاسية.. فإنه يؤكد أن الشعب هو الحكم.. والفيصل لصناديق الاقتراع.. وإذا كان هذا هو المعيار فإنه - من موقع السياسي الذي يقبل التنافس - إنما يستغل ما تتيحه له الديمقراطية من أدوات بأن ينبه الناخبين لئلا يتعرضوا للتضليل.. من الظواهر الجانبية التي أنتجتها تفاعلات الحراك.
هذا الذي وصفته في تحليلي للخطاب في جريدة «روزاليوسف» يوم الجمعة بأنه (هجوم سياسي لمبارك)، حين حللت موقفه من (الشعاريين) أي أصحاب الشعارات الفارغة الذين يكتفون بالمزايدة.. إنما هو توظيف من جانبه لمقوماته السياسية.. وهو كذلك نوع من الحصار الهادف إلي كشف الأحجام في إطار ساحة الحراك.. الرئيس هنا لم يستبعد أحدا قسريا.. وإنما يستخدم أساليب السياسة للتضييق علي الذين يكتفون بالعناوين التي لا تستند إلي جذور ورؤي وأفكار.. ومن ثم فإنه يوجه أسئلة تبدو سلسة لكنها قاسية جدا.. وبالتأكيد صعبة.. وضعت هؤلاء في حجمهم الحقيقي.. لأنهم ليست لديهم بالفعل إجابات.
والأسئلة في مضمونها هي في وجهها الآخر تعبير عن توافر تلك الإجابات لدي الدولة التي تقود الحراك والتطوير.. الدولة لديها إجابة عن تساؤلات البسطاء.. لديها ما تقدمه لهم.. الآخرون ليس لديهم. الدولة لديها سياساتها الجاذبة للاستثمار وإتاحة فرص العمل.. الآخرون ليس لديهم غير التذوق من بعيد ولا توجد لديهم رؤي.. الدولة لديها برامج لرفع مستوي معيشة محدودي الدخل.. الآخرون ليس عندهم سوي الاشمئناط.. الدولة لديها إجابة عن أسئلة وتحديات الإرهاب ومخاطره.. الآخرون يمكن أن يقودوا البلد إلي فوضي تجعل من مصر ميدانا للموت والخراب تحت شعارات مضللة.. الدولة لديها مواقف محددة وواضحة ومحققة للمصالح في السياسة الخارجية.. والتعامل مع قضايا العالم والمنطقة من حولنا.. الآخرون ليس لديهم ما يقولونه.. أو أنهم لايريدون أن يعلنوه؛ لأنهم يخدعون الناس.
هذا الحصار الهجومي السياسي من مبارك للمعارضة، أشخاص بعينهم علي وجه الدقة، إنما يضعهم في مأزق رهيب.. ومن هنا تجلت معانٍ أخري لصدمة المعارضة في الخطاب.. لأنه فرض عليها تحديات.. فرت منها ولم تجب عليها.. ولن تفعل.. وذهبت في اتجاه الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.. ومن احتياج.. ومن عوز.. ومن ضرورة لمواجهة التحديات.
إن ما جري قبل أيام، حين تم العثور علي سيارة مفخخة في قلب ميدان (تايمز سكوير) في نيويورك يثبت من بعيد جدا أن خطر الإرهاب إنما يهدد جميع أرجاء الأرض.. بما في ذلك الولايات المتحدة البعيدة جدا كما يظن البعض.. ويجعل مخاوف الناس في جميع أنحاء العالم علي الأمن والاستقرار مبررة.. ولابد من تلبية الاحتياج إلي الأمن بأساليب لا تخلو من ضمانة.. ولا يمكن لمجتمع أن يكشف ظهره أمام خناجر الإرهاب الغادرة، لأن بعضا من سياسيّه الساذجين قد أرادوا ذلك في لحظة من تصورهم أن هذا سوف يتيح لهم حرية أكبر في التحرك.
ومن جانب فإن الضمانة التي اختارتها مصر لا تقيد الحرية.. ومن جانب آخر فإن الأهم هو الحفاظ علي الاستقرار لكي يكون هناك حراك.. إذ لا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية في مجتمع يواجه القتل والدمار.. ولنا في قضية حزب الله.. وغيرها أمثلة كثيرة.. ومعان مهمة.. ولعل هذا هو أحد أهم الأسئلة التي علي من يرددون الشعارات أن يجدوا إجابة عليها ويعلنوها للناس.
-إلا العمال
ولقد سقطت المعارضة المستجدة، الداعية للفوضي، في فخ آخر، حين تخيلت أن (التفاعلات العمالية)، الناتجة عن آثار جانبية للتحولات الاقتصادية، يمكن أن تصب في معين حالة متراكمة تؤدي إلي نضوج (غضب) أو اعتمال (فورة) أو تنامي ظاهرة الاعتصامات والإضرابات بحيث يقود هذا إلي نقاط تسجل في دفتر إنجازات العملية التحريضية واسعة النطاق التي تدور في البلد.
وربما اعتقد هؤلاء أن الزخم المتزايد لعدد من المشكلات العمالية سوف يسبب حرجا ما لخطاب عيد العمال، خاصة أنه ارتبط في بعض الأحيان بما أثير في المجتمع بشأن مستويات الأجور، وربما تصوروا أن هذا قد يقود الرئيس إلي قرار ما يحاول به أن يسترضي العمالة التي تواجه مشكلات علي حساب القواعد الاقتصادية.. فتحقق ميزانية الدولة خسائر معينة.. أو أن يتجاهل الرئيس الأمر فتتحقق خسائر سياسية.
هنا وجه آخر لصدمة المعارضة.. ذلك أن الرئيس لم يتعامل مع الأمر بالتغافل، بل بالمواجهة الصريحة والواضحة، التي أكد فيها الانحياز الناضج للعمال.. بدون أن يضللهم بالشعارات.. وبالتالي فإنه - من موقع الرئيس - لم يغرق في تفاصيل تلك المشكلة أو هذه.. وإنما مضي بنظرة أعمق وأشمل إلي وضع قواعد أوسع لحل تلك المشكلات.. من خلال علاج ظاهرة العمالة التي تواجه أعباء سقوط شركات وإفلاسها وغرقها في الديون.. انحياز الرئيس الناضج لم يكن من خلال منحة أو نفحة مرضية.. كمسكن مؤقت.. وإنما من خلال توجيه الحكومة والطلب من البرلمان بإقرار قوانين تحفظ حقوق العمالة وتضمنها حين تخرج شركات من السوق.. وبحيث تضمن القوانين أن تكون حقوق العمالة هي الأولي بالسداد بين الدائنين.
الرئيس، الذي تقوم شخصيته علي عدم العودة للوراء، وتلك من خصائص المقدام، لم يجعل هذه المشكلات العمالية تثنيه عن التطوير الإصلاحي الناجح في محصلته الأخيرة علي المستوي الاقتصادي، ولم تدفعه إلي أن يتخلي عن مبدأ الدفع بطاقة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وإنما هو تعامل مع الأمر باعتباره مشكلة سلبية للتطور تعالج بدون التخلي عن التطور.. لا يمكن بتر ساق الاقتصاد لأنها تعاني من ألم في القدم.. ولا يمكن التخلي عن الطريق حين يواجه السائرون عليه مطبا.
الوجه الأهم لصدمة المعارضة في خطاب الرئيس يكمن في أنه عبر عن لغة بدا واضحا الاتفاق عليها في جميع مؤسسات الدولة.. أي أنه لاتوجد خلافات متصورة.. أو انشقاقات غير معلنة.. أو صراعات تصورتها المعارضة المستجدة في الأشهر الثلاثة الأخيرة.. وفي هذا إذا ما راجعنا اللغة التي تحدث بها حزب الأغلبية.. خلال الأسابيع الماضية علي لسان أمين السياسات والأمين العام للحزب الوطني.. وإذا ما راجعنا اللغة التي تكلم بها رئيس الحكومة.. ومن ثم وزيرا المالية والاستثمار.. وطابقنا ما ورد فيها مع ما جاء في خطاب الرئيس فسوف نجد أن هذا كله يسير في اتجاه واحد.. ونحو أهداف محددة.. وبلغة تعبر عن انسجام كبير بين مفردات الدولة ومؤسساتها.. كل يقول هذا في سياق اختصاصه.. وكل يعبر عن التوجه في إطار موقعه.. إلي أن جاء الرئيس لكي يوجز كل هذا ويدفع به إلي الأمام في خطوات جديدة.. نحو نفس المسار.. وإلي الهدف الذي لا يحاد عنه.. وفيما عرفه بأنه (انطلاقة جديدة).
ولاشك أن هذا أيضا قد سبب صدمة هائلة للمعارضة التي لن تستطيع الإجابة عن أسئلة الرئيس.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو على المدونة على العنوان التالى: http//alsiasy.blospot.com
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.