د. رفعت السعيد مناضلون يساريون ديدار فوزي «كرهت الحياة الأرستقراطية وقيودها، وتمردت علي كل شيء حتي التقيت هنري كورييل فوثق بي وأعطاني أخطر مسئولية في التنظيم فوجدت نفسي قادرة وملتزمة، بل شديدة الالتزام». ديدار فوزي وتبدأ حكاية فتاة مرفهة ومتمردة، شعرت بالقرف من الأرستقراطية والارستقراطيين فقررت الهرب، سرقت شورت أخيها وقصت شعرها لتبدو ولدا وكانت في الرابعة عشرة من عمرها عندما هربت متخفية كولد، وركبت القطار هي وصديقة من مدرسة الليسيه لتهربا إلي أمريكا، الأسرة الثرية أقامت الدنيا وقبضوا علي البنتين في بنها، وإلي قسم البوليس ذهبت الأخت الكبري لتتسلم ديدار وكان معها هنري كورييل، وبدأت علاقة صداقة حميمة. مغامرات ديدار لا تنتهي، أحبت شابا طائشا فاعترضت الأسرة، فأوحي لها أن يشربا السم وينتحرا معا، هي شربت السم أما هو فلا، أنقذوها، وكان هنري إلي جوارها، لم تفلح ديدار في الدراسة فتركت المدرسة لتعمل في البنك الذي يديره أبوها. إلي ذلك الحين كان اسمها ديدار روسانو. لكنها ما لبثت أن تعرفت علي ضابط شاب في الجيش، عثمان فوزي ضابط الفرسان ذو الأصل الأرستقراطي أمه الإنجليزية منحته بشرة ناصعة البياض وشعرا أشقر، وجده الشركسي منحه قامة مهيبة، حصل علي بطولات عديدة في الفروسية، وزيه المميز لضباط الفرسان جعله محط اهتمام الكثيرات من بنات المجتمع الراقي. التصادم الأول بين هذه الفتاة المتمردة وعثمان كان عندما قال لها إنه ضابط في الجيش فسألته في استهتار «هل هناك جيش مصري» لكنهما تصالحا وتزوجا، وعثمان ضابط من نوع خاص قام بإنشاء فصول محو أمية لجنود كتيبته، بما لفت أنظار أمن الجيش إليه فأرسلوه إلي سلاح الحدود قائدا لكتيبة من الجنود السودانيين لكنه ظل نموذجا لضابط مصري تقدمي وضع اللبنات الأولي لتنظيم الضباط الأحرار، وهنا قرر هنري كورييل أن يطوع هذه الفتاة المتمردة، كان رأيه أن الإنسان إن كان مخلصا وتولي مسئولية جادة فسوف يقوم بها بجدية وكفاءة حتي ولو تبدي مستهترا، ونجحت ديدار التي أصبحت اسمها ديدار فوزي في القيام بهذه المهمة بمهارة وكفاءة، فمن كان يصدق أن هذه السيدة الأرستقراطية الأجنبية الأصل التي تتحدث الفرنسية أكثر من تحدثها بالعربية والتي تقضي ساعات طويلة في نادي الجزيرة تلعب التنس والاسكواش وتركب الخيل هي مسئولة الاتصال بقسم الضباط في الجيش. لكن الزوج يسافر إلي حرب فلسطين ويعود مصابا، وفي هذه الأثناء تعززت علاقاته أكثر فأكثر بالضباط الأحرار. وتتولي ديدار بعد قيام الثورة عدة مهام خطيرة منها تهريب شريف حتاتة ومحمد الجندي من معتلقهما في قصر العيني، وهناك في بيت الضابط المرموق والمحبوب من قادة الثورة عثمان فوزي يختفيان حتي يتم تهريبهما إلي خارج البلاد، ثم محاولة أخري لتهريب محمد شطا، وهنا ربما يتنبه قادة يوليو إلي دور عثمان فوزي، واحتراما لمكانته يرسل ملحقا عسكريا في موسكو وتسافر معه ديدار التي كانت علي وشك القبض عليها. وبعد فترة يقع الانفصال وتغادر ديدار إلي باريس وهناك تعود إلي دورها المفرط الحساسية والخطورة، حلقة الاتصال في عديد من المهام شديدة الخطر، فعندما حصلت مجموعة كورييل عبر صداقات متعددة علي معلومات دقيقة ومفصلة، قامت هي بإيصالها إلي ثروت عكاشة الملحق العسكري المصري في باريس، كما قامت بتهريب عديد من الوثائق حول هذا الموضوع إلي مكان آمن في جنيف، وعندما أقام كورييل علاقة وثيقة بالثورة الجزائرية، كانت هناك لتلعب أكثر الأدوار خطورة فالثورة بحاجة إلي تمويل.. وكان يتم تجميع قرابة نصف مليون فرنك فرنسي، هي تقريبا نصف احتياجات الثورة من المواطنين الجزائريين المقيمين في فرنسا شهريا، وقامت ديدار في أحيان كثيرة بدور حامل الحقيبة، تحمل الأموال إلي جنيف، ومن هناك يتم تهريبها إلي الجزائر، وعندما يقبض عليها تكون المنظم لعملية هروب شديدة التعقيد. هنري كورييل قضي فترة السجن في سجن فرين مع فرنسيين من أنصار الثورة الجزائرية ومع جزائريين، وجعل من السجن مدرسة حقيقية لمحاضرات عديدة، وفي شهر رمضان أقنع جميع الفرنسيين بالصوم تضامنا مع الجزائريين، أما ديدار وقد وضعت في سجن لابيتيت.. روكيت فقد نجحت في ترتيب عملية هروب شديدة التعقيد نجحت بها في تهريب خمس سجينات معها، وعندما تنتصر الثورة الجزائرية تسافر إلي الثوار المنتصرين لتنال تكريما خاصا، وعندما يؤسس هنري كورييل منظمة «تضامن» التي كرست جهدها لمساندة حركات التحرير الأفريقية، خاصة حزب المؤتمر في جنوب أفريقيا تكون ديدار هناك في أكثر الأنشطة سرية وخطورة. وتبقي ديدار فوزي، ولم تزل جزءا من جسد النضال اليساري المصري بمذاقه المحلي والأممي وبرغم الشيخوخة فإنها لم تزل تستشعر حنينا جارفا لهذا النضال الأسطوري.