جرت الانتخابات التشريعية في سورية في اليوم السابع من مارس الحالي، حسب قانون الانتخاب الجديد، الذي أقر في العام الماضي، علي أساس أنه قانون إصلاحي، وكذلك حسب الدستورالجديد (الإصلاحي بدوره)، وقد أكدت وسائل الإعلام السورية طول الأشهر القليلة الماضية علي أهمية هذه الانتخابات، التي تأتي بعد إلغاء المادة الثامنة من الدستور القاضية بإلغاء قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، وبعد الموافقة علي تأسيس عديد من الأحزاب الجديدة حسب هذه القوانين، وكانت وسائل الإعلام السورية قد أكدت قبل إجراء هذه الانتخابات، أنها ستكون انتخابات ديمقراطية تعددية مختلفة عن جميع الانتخابات التي جرت خلال الأربعين عاماً الماضية. لقد لاحظ المراقبون أن الواقع المتعلق بهذه الانتخابات لم يتغير البتة ، سواءً منه ما يتعلق بالمرحلة التي تسبق الانتخابات ، أم بما جري خلالها. ومثال علي ذلك أنه لم تعط للمرشحين أو للأحزاب في الواقع أي فرصة لنشر أو(إعلان) برامج انتخابية خاصة بها، إلا من خلال كلمات قليلة لا معني انتخابياً لها، مثل حب الوطن، أو تمجيد الحرية والديمقراطية، ولم يلاحظ المراقبون أي موقف نقدي أو كلمة تقد في برامج الأحزاب السياسية الجديد ة أو القديمة ، سواء منه نقد معايير الدولة الحديثة غير المعمول بها و نقد ممارسات النظام السياسي أم علاقة السلطة بالدولة ، أم ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، وبالخلل في النظام الاقتصادي أم الإشارة إلي ممارسات أجهزة الدولة وأجهزة الأمن، وخاصة تجاه الفساد والاستبداد والاعتقال غير المبرر والتعذيب، فضلاً عن احترام حرية المواطن وحقوقه، أم أخيراً تسليط الضوء علي أي إجراء يتعلق بالمخالفات التي استشرت في سورية في الإثني عشر شهراً الأخيرة، خلال مواجهة السلطة للاحتجاج الجماهيري والحراك الشعبي. يؤكد المراقبون المهتمون أن الحال بقي كما كان عليه سابقاً دون أي تغيير يذكر ، فالمحرمات بقيت نفسها، وخاصة المتعلق منها بالبرامج الانتخابية ، بل ربما زادت هذه المحرمات. كما بقي المنهج والأساليب التي كانت سائدة كما كان الأمر في أي انتخابات جرت في سورية خلال أربعة عقود ، فكما هي العادة شكل حزب البعث قوائم انتخابية في جميع المحافظات (حيث أصر أن تكون المحافظة دائرة واحدة موحدة)، وكل ما في الأمر أنه غير اسم هذه القوائم من (قوائم الجبهة الوطنية التقدمية) إلي قوائم ( الوحدة الوطنية) ضمتها أسماء مرشحيه والمرشحين الذين اختارهم من أحزاب الحنهة : وترك هامشاً من اسمين أو ثلاثة للمستقلين. وهكذا حددت السلطة واقعياً وبدقة لايمكن الخطأ قيها عدد البعثيين الذين سيفوزون، وعدد الفائزين من أحزاب الجبهة (وقد طلب من كل حزب من هذه الأحزاب أن يلتزم بعدد محدد من المرشحين ، لا يتجاوز الأربعة مرشحين في سورية كلها ، وأن يسحب ترشيح العدد الفائض) كما حدد عدد المستقلين الذين يمكن إضافتهم للقائمة ، إلي الدرجة التي أصبح فيها كل سوري يعرف ، قبيل بدء الانتخابات من هم الذين سيفوزون بعضوية مجلس الشعب المقبل بدون خطأ تقريباً. والملاحظ في هذه الانتخابات عدم التزام السلطة بترشيح أبناء المحافظات في محافظاتهم، فقد لجأت إلي ترشيح من هو غير مقبول في محافظته في محافظة أخري، وهكذا كان نصف مرشحي دمشق مثلاً من غير الدمشقيين. وعلي ذلك ، يعرف كل السوريين أن مجلس الشعب المنتخب سيكون مجلساً معلباً كما كان شأنه دائماً. وأن لا تغيير جدياً لافي نوعية أعضاء هذا المجلس ولا في طريقة انتخابهم، ولا في الصلاحيات المعطاة للمجلس ، فقد سلبت منه السلطة التنفيذية، ممثلة برئيس الجمهورية، معظم صلاحياته بنصوص دستورية ، ولم تترك له شيئاً من الصلاحيات الجدية ، فأصبح مجلساً شكلياً لا معني له ولا يستطيع التأثير في السلطة والدولة ومستقبل البلاد، ولعله من المثير للانتباه أن رئيس الجمهورية مثلاً ، حسب الدستور الجديد، يستطيع إصدار القوانين خلال انعقاد مجلس الشعب، كما يستطيع حله، ويمكنه رفض التصديق علي قراراته، ويحتاج المجلس لأكثرية الثلثين لإعادة إصدار هذه القرارات، وبالتالي فنادراً ما تجد سورياً مقتنعاً بأهمية مجلس الشعب أو أنه سيقوم بأي دور.