في معرضها الأخير «الزمان والمكان» تأخذنا الفنانة التشكيلية الكبيرة جاذبية سري إلي فضاءات فنية مختلفة، بما تحمله لوحاتها المتعددة من طاقات تعبيرية جديدة مغايرة لمراحلها السابقة التي قدمتها عبر أكثر من سبعين معرضا منذ عام 1953. ولعل أهم الخواص الفنية التي تقدمها «جاذبية سري» في معرضها الجديد هي «خاصية الاختزال» عبر التكثيف الرؤيوي للصورة مع اعطاء مساحة واسعة للفراغ، بما يشي بمساحات أوسع للدلالة، بحيث أصبح الاختزال في التشكيل سمة واضحة نراها في اللمسات اللونية وملامح الأشكال الآدمية التي أصبحت أكثر استطالة فبدت الشخوص المرسومة أكثر شموخا وعظمة، وعلي حد تعبير ناهد الخوري فإن «الألوان قد اصبحت دون خلط أو مزج أو تداخل مما أسهم في قوة ووضوح بدت وكأنها خلفيات مضيئة بيضاء مما أسهم في متانة تكوين اللوحة وقوتها». ألوان مبهجة ويأتي المعرض كنتاج فني لتفاعل «جاذبية سري» مع الثورة المصرية، مقدمة رؤيتها المستقبلية المتفائلة لمصر، من خلال الدفقة الشعورية الهادرة التي تتضح من بين ثنايا اللوحات. وهذا يأخذنا للإشارة إلي الخاصية الثانية التي تتميز بها لوحات المعرض وهي «التفاؤل» عبر استخدام الألوان المبهجة المنفتحة علي الحياة كالأحمر والأخضر وهي الخاصية المشتركة التي نجدها في معظم إنتاج الفنانة الكبيرة والتي أشار إليها الناقد الراحل مختارالعطار عام 1994 حين قال: «جاذبية سري رسامة ملونة تحتضن الحياة بإبداعها الفريد، وثقافتها العريضة، وبكل كيانها الإنساني، حددت رسالتها منذ البداية ثم مضت في الطريق المثير الصعب لا تلوي علي شيء، لا ترسم ولا تلون كمعظم الفنانين، إنما تتدفق بروحها وموهبتها وذكائها، فقد ولدت لتكون ضمير شعبها بآماله وألامه.. وأفراحه ومآسيه. يتميز إبداع جاذبية سري في كل المراحل بأنه عمل درامي من الدرجة الأولي، يتيح للمرء أن يتلقي الرسالة عبر الشكل المفهوم والرمز الواضح والصياغة المصقولة ، يسبح بخياله ويغوص داخل العناصر المتشابكة، وتهتز مشاعره، وكأنما تعزف الفنانة علي أوتار روحه فتجذبها إلي عالمه الداخلي المفعم بالتوتر والانفعال والعاطفة الجياشة، والعالم الأسطوري الذي تنضح به لوحاتها، مع أنه يلمس الحقيقة بكل ابحارها. الشخصي والسياسي أما الخاصية الثالثة التي تكشف عنها لوحاتها الأخيرة - وأعمالها بشكل عام فهي الرصد الواضح للتغيرات الواسعة في المجتمع المصري، وإن جاء ذلك بشكل إشاري- حيث نجد المشاعر المتباينة، ما بين الشخصي والسياسي، مع اعطاء مساحات واسعة لكل منهما. جدير بالذكر أن جاذبية سري حاصلة علي بكالوريوس الفنون الجميلة عام 1948، وحصلت علي مجموعة من الدراسات العليا من باريس عام 1951، ومن روما 1952، ومن كلية سليد بجامعة لندن 1954، وعملت استاذة للتصوير بكلية التربية الفنية جامعة حلوان حتي عام 1971، وحصلت علي جائزة الدولة التقديرة في الفنون عام 1999. وأقامت واحدا وسبعين معرضا فنيا خاصا في مصر والبلاد العربية وأوروبا منذ عام 1953، ومثلت مصر في معرض «الحق في الأمل» بمناسبة مرور 50 عاما علي تأسيس الأممالمتحدة واليونسكو.