لم يكن أحد يتصور أن يصل شغب الجماهير في الملاعب المصرية إلي هذه الدرجة من الدموية والقتل، ولم يكن أحد يتخيل أن لعبة كرة القدم التي تخطف قلوب الملايين بسحرها وبريقها يمكن أن تتسبب في كارثة بحجم وفداحة ما حدث في استاد بورسعيد عقب لقاء المصري مع الأهلي في الجولة السابعة عشرة من منافسات الدوري المصري الممتاز. عشرات القتلي ومئات الجرحي ومشاهد مروعة تشابه حروب العصابات، وتشنجات وتهديد ووعيد ومسابقة بات استمرارها علي المحك وسط ضعف إتحاد كرة تفرغ "للبزنيس" وتناسي دوره في توفير أبجديات العمليات التنظيمية، وقوات أمن تحولت من سياسة العصا الغليظة والطغيان في مواجهة توافه الأمور قبل الثورة إلي سياسة الخنوع والمهادنة ومد يد العون لكل الخارجين عن القانون بعدها. عشرات الأسر المصرية باتت ليلة حالكة السواد الأربعاء الماضي بعد أن أفقدها الاستهتار والتسيب الممنهج الذي ضرب مصر من أقصاها إلي أقصاها ، أفقدها فلذات أكبادها فتعالت صرخات النساء وارتفع نحيب الرجال علي فقدان الابن والأخ والصديق في اللقاء الذي ذهب إليه هذا الشباب اليافع كمشجع ومساند لفريقه ثم عاد بعضه في نعوش و الآخر مضرجا في دمائه أو يعاني من ويلات وتبعات نفسيه جراء ما وقعت عليه عيناه من أهوال خلال اليوم المشئوم. ولأن لكل نتائج مقدمات لا يعيها إلا من كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد، فقد ساهم ضعف الاتحاد المقال في مواجهة انفلات عناصر اللعبة في الشهور التسعة الأخيرة، ساهم في وصولنا إلي ما وصلنا إليه مساء الأربعاء الأسود. بداية النهاية البداية كانت في الثاني من شهر أبريل الماضي عندما اقتحمت جماهير الزمالك ملعب إستاد القاهرة بعد أن أيقنت من استحالة تجاوز فريقها لضيفه الإفريقي التونسي في الدور الأول لدوري أبطال إفريقيا والنتيجة خسائر في منشآت الملعب بلغت 2.5 مليون جنيه واجهها الاتحاد الإفريقي بغرامة تقترب من نصف مليون جنيه علي الزمالك مع إقامة لقاءين له بدون جمهور. ردع الكاف بعد نحو شهر علي واقعة الزمالك والإفريقي قلدت جماهير الأهلي نظيراتها البيضاء وأمطرت ملعب القاهرة بوابل من الألعاب النارية في لقاء إياب ثمن النهائي أمام زيسكو الزامبي وهو ما أسفر عن إصابة أحد لاعبي الفريق الضيف وكلف الأهلي غرامة تقدر بحوالي 250 ألف جنيه مصري مع إقامة أول لقاء للفريق بدون جمهور وهو ما تم بالفعل في لقائه مع الوداد البيضاوي المغربي في الجولة الأولي بدوري المجموعات الذي تعادل خلاله بثلاثة أهداف في كل شبكة وكان سبباً مباشراً بعدها لخروجه من هذا الدور لأول مرة منذ 2002. وبعيداً عن المشاركات الإفريقية التي خرجت منها الأندية المصرية صفر اليدين في الموسم الماضي ، بدأ الشغب والتجاوزات في الملاعب المصرية منذ الدور الثاني في الموسم الماضي وبالتحديد في لقاء الاتحاد ووادي دجلة في الجولة رقم 22 لدوري 2010/2011 عندما اقتحمت جماهير الاتحاد ملعب الإسكندرية لتنتقم من لاعبي فريق وادي دجله لأنهم تجرأوا وأحرزوا هدف الفوز في الوقت القاتل من عمر اللقاء ولم ينج طاقم الحكام النمساوي من هذه الجريمة وكاد يعود إلي فيينا في نعوش لولا لطف الله. بعد نهاية الدوري الموسم الماضي علي خير رغم الصعوبات الجمة التي واجهها، بدأ الموسم الحالي بإقامة مباريات كأس مصر التي شهد دورها الأول تشابك بين جماهير الأهلي وقوات الأمن عقب نهاية لقاء الأهلي وكيما أسوان في ملعب القاهرة في السادس من سبتمبر الماضي، والنتيجة كانت تحطيم 19 من سيارات الشرطة والمدنيين، وجاء القبض العشوائي علي 25 من أنصار الأهلي ثم خروجهم دون عقاب و نقل لقاء للأهلي من دون جمهور في افتتاح الدوري مع الحدود ليؤكد أننا علي موعد مع موسم استثنائي علي صعيد الخروج علي الروح الرياضية. وما بين اشتباك جماهير الإسماعيلي مع قوات الأمن وجماهير المقاولون العرب في ربع نهائي كأس مصر الذي أدي إلي إتلاف مدرجات ملعب عثمان أحمد عثمان و إصابة مجندين من الشرطة في السادس والعشرين من سبتمبر الماضي ولقاء "الدراويش" والمصري في الثامن والعشرين من يناير الماضي في الجولة السادسة عشرة لدوري هذا الموسم الذي شهد اقتحام بعض جماهير الإسماعيلي مدرجات ملعب اللقاء احتجاجا علي العقوبة الهزيلة ضدهم بعد إصابتهم للمساعد الثاني سامح مصطفي في لقاء الشرطة في الجولة الرابعة عشرة، لم تخل إلا القليل من المدرجات من أحداث شغب كان حدها الأدني سباب طاقم الحكام والفريق الضيف ووصلت إلي اقتحام الملعب ومحاولة الاعتداء علي الفريق الضيف وإجباره علي الخروج من الملعب في سيارات مصفحة. الإنذار الأخير كما تكررت تلك الاحداث في لقاء المحلة والأهلي بالجولة الحادية عشرة للدوري في 31 سبتمبر الماضي اعتراضاً علي احتساب حكم اللقاء ياسر عبد الرءوف هدفا صحيحا سجله عمرو رمضان مدافع المحلة في مرمي فريقه ورغم عقاب المحلة باعتباره مهزوماً بهدفين دون رد في اللقاء ونقل ثلاثة لقاءات من دون جمهور ، جاءت عودة رئيس الاتحاد المقال سمير زاهر من وعكة صحية لتخفف العقوبة إلي لقاءين فقط استجابة للالتماس الذي تقدم به "زعيم الفلاحين". ولأن كل التجاوزات السابقة لم تجد العقوبة الرادعة التي تمنع تكرارها، بل وجدت من يتدخل في صميم عمل الاتحاد ويطالب بتعديل اللوائح لتخفيف هذه العقوبات الهزيلة أصلاً كان لابد أن تصل الأمور لما وصلت إليه في بلد تعود كباره ألا يتحركون إلا عند وقوع كارثة كبيرة وهو ما حدث بالفعل في لقاء الأربعاء الدامي.