متظاهرو «وول ستريت»: حرب الطبقات قادمة لا محالة أعادت المظاهرات الاحتجاجية ضد النظام الرأسمالي التي عمت جميع أنحاء العالم بدءا من أوروبا وصولا إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الأسابيع الماضية إلي الأذهان روح النضال الشعبي، والكفاح ضد الظلم والفجوة المجتمعية الرهيبة التي تخلقها السياسات الرأسمالية بين الأغنياء والفقراء، ويعتبر البعض أن الشعوب الأوروبية والأمريكية قد استلهمت في تلك الاحتجاجات ما يسمي ربيع الشعوب العربية، وليدخل العالم بأسره حاليا في سلسلة من الاحتجاجات المنتشرة في كل القارات، مما يدفع البعض لتسمية عام2011 "عام الثورات الشعبية"، بل ووصل الأمر لرفع المتظاهرين شعارات تؤكد أن تلك السياسات ستؤدي إلي قيام حروب بين الطبقات لا محالة. الهوة تتسع خرج ملايين من العاملين والعاطلين عن العمل في مئات المدن احتجاجا علي تلك الهوة التي زادت بين الأغنياء والفقراء خلال ال 25 عاما الماضية. وأظهرت دراسة لمنظمة التنمية والتعاون الأوروبي نشرت في مايو الماضي، أن دولا مثل الدنمارك وألمانيا والسويد والتي كان فيها التفاوت في الدخل منخفضا، لم تعد بمنأي عن خطر التفاوت الكبير، الذي وصل لدرجة أنه في الدول الصناعية الكبري يزيد متوسط دخل أغني 10 % من السكان حوالي تسعة أضعاف علي دخل أفقر 10 % وهو فارق هائل يمكننا تخيله عندما نعرف أن أجور مديري الشركات الكبيرة يحصلون علي دخل يزيد بمقدار 200 ضعف أجور العمال والموظفين بتلك الشركات. تسبب هذا التفاوت الكبير في متاعب ضخمة للعاملين، خصوصا إذا أضفنا إليه عوامل اقتصادية أخري كالركود الاقتصادي، والبطالة المتزايدة، والصعوبات التي تواجه الشباب في الحصول علي فرص العمل، والضغط علي الدخول والمرتبات، وارتفاع التضخم، وارتفاع الإيجارات، وكلها عوامل تؤدي إلي نتيجة حتمية هي خروج الشباب إلي الشوارع كما حدث أمام كاتدرائية "سانت بول" في بريطانيا حيث رفع الشباب شعارات ضد عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والنظام غير العادل الذي يخدم الأغنياء والأقوياء". وبرزت الحقيقة نفسها في احتجاجات منطقة وول ستريت بالولاياتالمتحدةالأمريكية حيث رفعت حركة" "احتلوا وول ستريت" نفس الشعارات، بل كان لها شعار مميز هو: "نحن نمثل نسبة ال 99% ولن نتسامح بعد مع جشع وفساد ال 1%. ويعتبر بعض المراقبين أن ما يحصل اليوم هو احتجاج ضد النظام الحياتي الرأسمالي، لأن المسألة تتعدي زيادة الأجور، إذا أنها نتاج تراكم عمره حوالي 15 سنة من الاحتجاجات المناهضة للحروب ولتقسيم العالم. العولمة البديلة بدأت الحركات المناهضة للرأسمالية عملها بشكل واضح عام 1999 في نيويورك وواشنطن، وعادت وتعممت لمدة عشرة سنوات تحت مسمي "العولمة البديلة"، وأصبحت هناك حركات قوية مناهضة للحروب والبورصات. وقد خفتت هذه الاحتجاجات بعض الشيء ومن ثم استعادت رونقها علي أصداء الثورات العربية، بعد أن تبين أن القادة الغربيين يبحثون دائما عن حلول جزئية للنظام الرأسمالي، وفشلهم المتكرر في تصدير أزماتهم إلي الخارج، لأن النظام الرأسمالي يحاول دائما عندما تتأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نقلها إلي خارج الحدود، وفي الغالب يتم تصدير تلك الأزمات علي شكل حروب، لفتح أسواق جديدة. وهو الأمر الذي فعلته أمريكا والدول الأوروبية علي مدار السنوات الماضية. ويشير بعض المحللين إلي أن معظم الثورات اندلعت بشكل عشوائي إلي حد ما. وكان هناك خلط بين المطالب والمظاهرات، ولم تكن الحكومات علي دراية بمطالب المحتجين، وهو ما أدي إلي إطالة زمن الاحتجاجات والتوترات، ولكنها تبقي في النهاية ثورات عفوية القاسم المشترك الأعظم بينها هو العفوية، وعدم وجود قادة بارزين لهذه الحركات الاحتجاجية، فكلهم من الهواة وليسوا من محترفي السياسة. وهو ما يتضح من حقيقة أن معظم المشاركين هم من الطلاب والجماعات المدافعة عن حقوق المرأة والموظفين والفنانين والشباب الذي يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، والعاطلين عن العمل، فهم مجموعات ليست سياسية. وإذا كانت أوروبا قد سبقت العالم بثورات شعبية في القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر، فإن هذه الثورات هدأت، وبقيت الأوضاع منذرة بانفجارات جديدة، وفر الشباب الذي خرج في شوارع تونس ثم مصر، وليبيا، واليمن، وسوريا المناخ، والإلهام لتعاود الشرارة الاندلاع من جديد، ولكن هذه المرة بثورة علي آليات النظام الرأسمالي، الذي يثبت مرارا وتكرارا فشله في تثبيت موقعه كنظام لإدارة الاقتصاد العالمي.