تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة من الصحف والبرامج التليفزيونية بشكل دائم يكاد يكون يوميا بموقف بعض التيارات المتعددة من داخل الجامعة وخارجها التي تطالب بصوت عال بإقالة القيادات الجامعه جميعها في توقيت واحد باعتبارها من العهد البائد الذي ساهمت أجهزته الأمنية في ترشيحها لهذه المناصب. والأمر الذي يثير الدهشة أن هذه الرغبة الجامحة قد واكبها سيل من التهديدات وأشكال من التحريض علي العنف ضد متخذي القرار، ابتداء من وقف الدراسة في الجامعات ومنع رؤساء الجامعات من دخول مكاتبهم بما يعني استخدام العنف في مواجهتهم حتي يتم اجبارهم علي الاستقالة وافراغ مناصبهم وجميع مناصب السادة عمداء الكليات وغيرهم من الوكلاء والنواب وبالتالي رؤساء الأقسام- أي تفريغ الجامعات في وقت واحد حددته هذه المطالب بداية شهر سبتمبر القادم ومما يضفي علي هذه المسألة المزيد من التعقيد هو اطلاق التحذيرات والتهديدات حول اتخاذ اجراءات متصاعدة بغرض فرض هذا القرار بما لا يقبل المناقشة سواء مع متخذي القرار أو حتي زملائهم من الاساتذة وهيئات التدريس الذين تصل نسبتهم (غير المنتمين لأي تيارات حزبية داخل الجامعة أو خارجها في العهدين الماضي والحاضر) إلي 80% حسب استقصاء اجراه اعضاء ائتلاف اساتذة انتماؤهم للجامعة ومصر. ومعني ذلك أن هذه الفئة النشطة من هيئات التدريس والمنتمي للأحزاب والحركات السياسية هي الأعلي صوتا والأكثر تنظيما وهذا حقهم في غياب الاكثرية الصامتة- غير المدربة علي الاعتصام والإضراب والصدام مع غيره من هيئات التدريس وكل ما يملكونه هو الانخراط في البحث العلمي لغرض تطوير الجامعات وتنقية اللوائح والقوانين المعمول بها في ظل قانونية تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 من خلال رؤي تنويرية يواصلون الإعلان عنها في صمت من خلال القنوات الشرعية التي أصبحت مفتوحة ومتاحة أمام الجميع بعد الثورة المباركة للمصريين الشرفاء في 25 يناير. والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة الآن كيف تتحمل الجامعات المصرية عملية تفريخ قياداتها من رؤساء الجامعات إلي العمداء والوكلاء ونواب رؤساء الجامعات ورؤساء الأقسام في وقت واحد يلتزم به متخذ القرار رغم ما يستتبع ذلك من انهيار المنظومة الإدارية للجامعة بشكل كامل وإلا نالهم (متخذو القرار) عقوبات وتهديدات وانذارات بوقف الدراسة وطرد هؤلاء المسئولين وعدم السماح لهم بالوصول إلي مكاتبهم وهو تحريض مباشر علي العنف داخل الجامعات المصرية؟ أعداد هذه القيادات يتجاوز أربعة آلاف قيادة جامعية الأمر الذي أثقل عاتق متخذي القرار بين أعمال المنطق أوالخضوع لسيطرة هذه التيارات التي سوف تصعد وتقاوم وتحرض علي العنف، فهل يريد هؤلاء (وأنا أعلم أنهم من الاساتذة الشرفاء) انهيار الجامعات وتوقفها عن أداء رسالتها التربوية والتنويرية المنوط بها؟! وهل انحسرت الأفكار التقدمية والإصلاحية التي تستهدف تطوير الجامعة بكل مقوماتها العلمية والمعنوية- في مجرد الإطاحة بالقيادات الجامعية ثم تغيير وجوه بوجوه أخري حتي وإن كان ذلك دون سند من المنطق والقانون؟ ومن الذي سوف يملأ مواقع هذه القيادات وأماكنهم فجأة في توقيت واحد؟ سوف يقولون سوف تأتي الانتخابات الحرة بهؤلاء - ومن يا تري الأعلي صوتا؟ والأكثر نشاطا وحركة وتنظيما؟ لا شك أنهم اعضاء هذه التيارات العديدة التي نشأت من رحم الجامعة ومن خارجها (ونحن لا نشكك في نزاهتها ووطنيتها) فهل يا تري ينتظرون رد الجميل بأن تكون الانتخابات القادمة لصالحهم فيصبحون هم البدلاء الجدد للقيادات السابقة- في غفلة من الأغلبية الصامتة والتي ليس لها الصوت العالي باعتبارهم اساتذة ينتمون للجامعة ولا يرتبطون بأي تنظيم أو جماعة أو حزب سياسي سواء من داخل الجامعة أو من خارجها في الماضي أو في الحاضر؟ وهل من المقبول أن تتلون الجامعة في النهاية بألوان سياسية لأطياف نشطة من خارج الجامعة ذاتها؟ أليس في ذلك خطورة كبيرة تنجم عن فقدان ساحة التسامح والترابط والبعد عن الصراعات السياسية تلك المبادئ التي حافظت عليها الجامعات المصرية منذ نشأتها كما يعرضها لخطر أن تتحول الجامعات المصرية إلي ساحات للصراع السياسي والعقائدي وما شابه بما يكتنفها من أشكال التحريض والعنف والنزوع إلي السيطرة المطلقة؟ يبقي في النهاية الحديث عن الفعل الثوري- والشرعية الثورية- وهو ما يسوقه ويستند إليه أصحاب هذه التيارات والمتحدثين باسمهم، وهنا ينبغي أن نتذكر أن الجامعة هي عقل الأمة ومنارتها الثقافية والتربوية وهي ساحة للعلم والمعرفة والبحث العلمي وهي بهذه الأهداف والقيم التي تنير الطريق أمام الشرعية الثورية أفرزت هؤلاء الشباب الثوريين الذين كانوا الطليعة في ثورة المصريين المباركة - فهؤلاء الذين أماطوا اللثام عن الفعل الثوري وقادوا مسيرة المجتمع نحو التحرر وتحقيق العدالة الاجتماعية هم ابناء الجامعات المصرية الذين تسلحوا بأدوات العلم وامتلكوا رؤية موضوعية للمستقبل. الجامعة إذن هي منارة الإصلاح ورمز الشرعية الثورية ولا مجال للحديث عن إن كانت متخلفة عن واجباتها والتزاماتها الأخلاقية في أي وقت سابق أو لاحق.