لأنه جاء من أرض الشام فهو يحمل معه أجمل ملامحها، لديه حماس حقيقي لقضيته وشجاعة ورقي في عرض أفكاره، «فرحان مطر» الكاتب والإعلامي السوري الذي جاء إلي مصر بعدما قدم استقالته من التليفزيون السوري وأعلن انسحابه من اتحاد الكتاب السوريين ليصبح هو الثالث بعد الشاعرين علاء عبدالمولي، وعمر أدلبي، لا يري فائدة لما يطلق عليه النظام السوري حوارا وطنيا لأن الحوار يحتاج لطرفين والنظام السوري لا يعترف بوجود طرف آخر ولا يعترف بحقوقه رغم مرور 130 يوما علي اندلاع الثورة السورية لكن حالة التعتيم الإعلامي الواضح جعل فرحان مطر يري لنفسه دورا مهما في فضح أساليب النظام السوري في قمع كلمة الحرية ولهذا اختار مصر لتكون الانطلاقة الأولي لصوته.. حاورناه ليكشف لنا عن تفاصيل مهمة علي طريق الحرية. سلاح الكلمة إلي أي مدي تري سلاح «الكلمة» سلاحا فعالا؟ - إلي مدي بعيد والدليل علي ذلك أن من يقول عبارة واحدة في سوريا يدفع ثمنها السجن وأحيانا التصفية الجسدية، فالكلمة داخل المقال أو الحوار قادرة علي التأثير فورا علي أرض الواقع لهذا تخشاها النظم الديكتاتورية، لأنها تشكل الرأي العام وتوجهه. هل أعلنت انسحابك من اتحاد الكتاب السوري لتحفيز الآخرين أم مجرد تبرئة لموقفك مما يحدث؟ - لم تكن لكسب البراءة لشخصي، ولكن قصدت من الاستقالة تحفيز الشرفاء من الجانبين سواء التليفزيون السوري لأنني أعمل معد برامج داخله أو من اتحاد الكتاب السوري، ما أكثر الشرفاء في سوريا ولكن الخوف يمنعهم من الإعلان عن موقفهم فبعد كل من علاء عبدالمولي وعمر أدلبي وهما شاعران كبار من حمص أقدمت علي خطوة انسحابي وأنا متوقع أن يتبعنا كثيرون. وماذا حدث أثناء مؤتمر اتحاد الكتاب المصري الذي حضره رئيس اتحاد الكتاب السوري؟ - للأسف حسين جمعة لم يحترم حرمة وجوده في حضن ثوار 25 يناير بمصر وسمح لنفسه أن يكون مجرد «بوق» للنظام السوري المجرم وتصرف تماما كما يتصرف بسوريا ولكن الأدباء المصريين الشرفاء قاموا بطرده ولهذا وجهت لهم التحية، حتي أنه كذب عندما سألته إحدي الصحفيات عن موقفي وانسحابي فقال إن هذا لأسباب شخصية وأتمني أن يعلمني بهذه الأسباب لو يستطيع. ولكنك لم تعلن أثناء وجودك في سوريا موقفا واضحا من الأحداث.. هل هذا صحيح؟ - لم أعلن موقفا مباشرا صريحا بسبب «الاعتبارات الأمنية» فالجميع يعلم «الفاتورة» التي يدفعها أي شخص في سوريا في حالة إعلانه عن موقفه جهارا نهارا، لذا فضلت الانسحاب تدريجيا وامتنعت عن تقديم البرامج بالتليفزيون السوري لمدة شهرين حتي جئت إلي مصر. لماذا اخترت مصر بالتحديد؟ - لكي لا أكون بعيدا عن سوريا، فأنا لا أتخيل حياتي بعيدا عن سوريا ولكن بقراءة الاحتمالات كانت مصر الأقرب إلي روحي كسوري إضافة إلي أننا شركاء أصلا في الثورة، فأنتم مازلتم تحاولون تحقيق أهداف ثورتكم ونحن أيضا، والقاهرة موقع متميز وحقل إعلامي لأكون صوتا معبرا وحقيقيا عن أهلي في سوريا، فأنا لم أغادر بلادي بحثا عن مال أو جاه، وإنما لأكون صوتا لمن يقتلون في سبيل الحرية. صرحت أنك جئت لتفضح النظام السوري.. كيف ستفعل ذلك؟ - الشعب السوري يقتل مرتين بأداتين، الأولي بالسلاح والثانية بوسائل الإعلام السورية التي تضلل المواطن السوري وتروج الأكاذيب حول عصابات مسلحة تهاجم النظام.. والثورة السورية سلاحها السلمية كما كانت الثورة المصرية، والكثير من الإعلاميين الشرفاء في سوريا يخشون قول الحقيقة نتيجة القمع وأنا جئت إلي هنا لأروي حقيقة ما يحدث. الخوف الدائم ألا تري معي أن فكرة خوف مثقفين أو إعلاميين هي فكرة غير مقبولة في الشارع العربي الآن.. لأنهم مفترض أن يكونوا «قدوة»؟ - للأسف الشديد الحالة القمعية الشديدة التي يعيشها المواطن السوري غير مسبوقة وهي لدرجة من الخطورة لا يعلمها إلا من زار سوريا، فعلي سبيل المثال أصدر مثقفون وفنانون سوريون بيانا عرف باسم «بيان الحليب» طالبوا فيه السلطات السورية بالسماح للمساعدات الغذائية بالدخول «لدرعا» حين تعرضت للحصار خاصة السماح لحليب الأطفال بالدخول ومن أبرز هؤلاء الموقعين علي البيان كانت ريما فنجان والفنانة مني واصف وكندة علوش وغيرهم، النتيجة أن كل ما وقع علي البيان تم استدعاؤه للتحقيق معه رغم أنه بيان لا يطالب بإسقاط النظام، وطلبت المخابرات السورية منهم تقديم اعتذار عن مشاركتهم في هذا البيان وهددت ريما فنجان بأطفالها ولكن المثقف السوري لم يكن بعيدا عن المشاركة في الثورة السورية وأول مظاهرة خرجت من دمشق من الجامع الأموي كان بها 40 مثقفا بعضهم تم اعتقاله. مفارقات ما الدور المفترض أن يلعبه المثقف العربي الآن في خضم الثورات العربية؟ - بالطبع المثقف العربي تقع عليه مسئولية أخلاقية من الدرجة الأولي فحين يخرج المواطن العادي إلي الشارع من العار أن يظل المثقف صامتا فمنطق الأمور يقول إن المثقف كان يجب أن يكون في المقدمة ورجل الشارع يتبعه ويقتدي به، ولهذا فالشارع سبق المثقف وهي مفارقة من مفارقات الثورة السورية أيضا، ولهذا أطالب المثقف السوري ألا يتخلف عن ركب الثورة وأن يدع الخوف جانبا، أما المثقف العربي فأطالبه بالوقوف عونا لشعبنا والشعوب الثائرة خاصة في ظل حالة التعتيم الإعلامي القائمة. ما رأيك في بيان اتحاد الكتاب المصري عن أحداث سوريا والذي خرج منذ أسابيع؟ - بيان الاتحاد لم يسم ما يجري في سوريا بأنه «ثورة شعبية» ولم يدن إجرام النظام السوري وكان بيانا مهادنا تجاه ثورة سوريا وخفيف اللهجة، تمنينا أن يكون أكثر حدة ويناسب مع فعله الأدباء المصريين حينما طردوا رئيس اتحاد كتاب سوريا. إذن بما تفسر عدم مناسبة البيان لموقف الأدباء المصريين من الثورة السورية؟ - لأنني أري اتحاد الكتاب المصري مؤسسة تحتاج إلي ثورة في داخلها تتناسب مع ما يعيشه واقع المجتمع المصري. هل الأنظمة العربية قامت باستقطاب المثقف العربي فغاب دوره عن الساحة؟ - لا أري ذلك فالمثقف مثل كل الناس درجات وقناعات مختلفة هناك من هو علي استعداد لتأجير صوته وقلمه مقابل المال وهم «كتّاب السلطان» ولا يعنونا لأنهم باعوا ضمائرهم وهم قلة ولكن حديثنا هنا يكون عن الأغلبية الساحقة التي لم يشترها أحد ولم يدجنوا، ولكنهم خافوا. كيف تري موقف الشاعر أدونيس ورأيه أن بشار الأسد ليس له دخل فيما يحدث؟ - لا أندهش من موقف أدونيس لأنني أعرفه جيدا، هناك حالة من الانسلاخ عن الواقع يعيشها البعض وعلي رأسهم أدونيس فهو لم يكن في يوم من الأيام مهتما بما يحدث علي أرض سوريا وحين فوجئ بثورة حقيقية تقتلع النظام السوري تذكر مخاوفه الطائفية وانحاز لطائفته. هل توقعت الثورة السورية؟ - نعم توقعتها خاصة مع شرارة عصر الربيع العربي وما حدث في تونس وبعد نجاح الثورة المصرية كنا نعلم أننا علي أبواب ثورة في سوريا، فنحن أولي الشعوب بالثورة، تخوفت من ردة فعل النظام السوري ضد الثورة، خاصة بعدما صرح بشار الأسد قبل ثورة سوريا بأيام أنه لن يحدث في سوريا أي ثورة والثورات العربية الأخري جاءت ضد نظم «عملية» وأن الشعب السوري يحب النظام.