مسرح الجريمة.. رئاسة الجمهورية ما جري في اجتماع هيئة المكتب بحضور صفوت الشريف وجمال مبارك وزكريا عزمي.. بعد يومين من اندلاع الحالة الثورية.. كان صورة بالكربون للعقلية السائدة في الحزب الوطني.. عقلية البلطجة!في يوم الخميس 27 يناير 2011 عقدت هيئة المكتب بالحزب الوطني.. اجتماعا طارئا.. استمر أربع ساعات.. لبحث موقف الحزب من المظاهرات التي اندلعت في ميدان التحرير. وفي اليوم التالي خرجت الصحف.. وفي صدر صفحتها الأولي صورة لهيئة المكتب يتصدرها صفوت الشريف وعن يمينه زكريا عزمي وجمال مبارك.. وعن يساره مفيد شهاب وأحمد عز.. ونقلت تصريحات صفوت الشريف الأمين العام للحزب التي قال فيها إن الحزب حرص علي الاستماع لشباب المتظاهرين والتفاعل معهم وقال (ليس لدينا نوع من التردد أو التكبر أو التعالي.. وانحيازنا الدائم والمستمر لمطالب الجماهير)!! شوف إزاي؟ وقال صفوت في المؤتمر الصحفي الذي عقده لهذا الغرض إن الشباب المتظاهر كان واعيا (!!) ولم يخرج علي الشرعية (!!) نافيا هروب أحد قيادات الحزب لسويسرا في طريقه إلي اسبانيا وقال إن قيادات الحزب لا يعرفون الهروب.. وليس لدينا (بطحة) ونحن نخدم المواطن بايمان!! وحول سؤال تغيير وزاري وشيك قال صفوت إن تلك هي مسئولية رئيس الجمهورية.. لأن مصر دولة تقوم علي المؤسسات وليس علي ردود الأفعال.. مشيدا بالشباب الذين تظاهروا بشكل حضاري.. رافعين علم مصر. وهي تصريحات.. تجعل الواحد منا.. يتمايل تمايل النشوة.. وهو يسير بين أكوام القمامة.. يتثني انثناء الزهور علي الاغصان.. وهو يقرأ سورة الفلق ليحمي نفسه من حسد الشعوب الأوروبية التي تحسدنا علي حكامنا. تصريحات تذكرنا بكلمات أحمد عز.. التي قال فيها إن تراكم القمامة في الشوارع هي الدليل علي الرفاهية.. وارتفاع معدلات التنمية! ما علينا هذا المشهد الذي أبرزته الصحف يوم الجمعة 28 يناير 2011 هو مشهد (دولة مؤسسات) لحزب يتولي السلطة منذ 30 سنة ولكن هذا المشهد له وجه آخر.. هو وجه العصابة. وجه الدولة العصابة وفقا لما نشرته الصحف يوم الجمعة 15 يوليو 2011 أي بعد ستة شهور من مشهد دولة المؤسسات.. والدولة العصابة.. هي دولة تحكمها مجموعة من الاشخاص.. اصحاب سيادة.. لا يخضعون للقوانين.. ولا للمحاسبة.. وتتركز السلطات كلها بين أيديهم.. وهم الذين يصدرون التشريعات وهم الذين يراقبون ويحاسبون ويعاقبون وفق معاييرهم الخاصة! وفوق ذلك كله فإنهم يتمتعون بحصانة.. بلا حدود. حصانة تحول بينهم وبين الوقوف كمتهمين أمام النائب العام.. أو في اقفاص المحاكم.. أو أقسام الشرطة. حصانة تمكنهم من ارتكاب كل ما يخطر علي البال من ألوان الفساد.. ومكالمة تليفونية واحدة.. تكفي لوضع ملفات أي قضية كبري في خزينة المحفوظات السرية. مكالمة تليفونية.. من الرئيس أو أي من أعضاء السكرتارية تكفي للتصرف في ممتلكات الدولة.. كما تكفي لحفظ القضايا إذا طالتها أجهزة الرقابة.. أو الأجهزة الأمنية. ودولة العصابة.. هي دولة لا تعرف الفصل بين السلطات فالسلطات كلها في يد شخص واحد.. هو الرئيس الذي يتصرف في كل كبيرة وصغيرة.. وهو الذي يعرف دبة النملة في البلاد.. وتصله التقارير الأمنية التي تبلغه كل ساعة بما يجري في الأرحام. ولذلك فعندما يقول صفوت الشريف بعد الاجتماع الذي عقدته هيئة المكتب يوم الخميس 27 يناير 2011 إن التعديل الوزاري هو مسئولية رئيس الجمهورية فهو لم يكذب.. ولكن عندما يقول إن مصر في ظل حسني مبارك.. كانت دولة مؤسسات.. فهو يكذب كما اعتاد طوال حياته.. منذ بداية عمله بالمخابرات العامة.. وحتي فصله منه.. ثم بداية حياته الثانية.. كأحد رجال العصابة الحاكمة.. وأقرب أعضاء هذه العصابة لقلب حسني مبارك.. الذي كانت تطربه أصوات النفاق.. ويقوده ضعف ادراكه لتصديق ما يقال في أكاذيب صارخة.. الأمر الذي يعيد للذاكرة ما يقال عن تأثير الغناء في الحيوانات العجماء. الحيوانات العجماء تطرب للموسيقي والغناء.. كما يطرب الحكام ضعاف الادراك كلمات النفاق. ونعود لموضوعنا.. وهو ما جري في اجتماع هيئة المكتب للحزب الوطني.. بحضور الخمسة الكبار.. هم جمال مبارك وأحمد عز.. وزكريا عزمي وصفوت الشريف ومفيد شهاب لمواجهة المظاهرات التي اندلعت في ميدان التحرير. كل كلمة.. صدرت في هذا الاجتماع.. لم تكن تعبر عن مصر «الدولة» وانما كانت تعبر عن مصر (العصابة) ولذلك فعندما يأتي اليوم الذي تتشكل فيه المحاكم الثورية لمحاكمة رموز النظام الإجرامي البائد.. فسوف تكون جلسة هيئة المكتب السياسي للحزب الوطني.. هي (حجر رشيد) الذي يروي اسرار ما جري في الشهور التالية.. وحتي ساعة كتابة هذه السطور. ماذا جري في هذا الاجتماع؟ تقول التحقيقات التي جرت في وقائع الاعتداء علي المتظاهرين بميدان التحرير.. والمعروفة اعلاميا ب (موقعة الجمل) إن صفوت الشريف.. كان العقل المدبر لفكرة المسيرات والتجمعات المنظمة المؤيدة لحسني مبارك والتي ضمت مجموعات من البلطجية. ورصدت هذه التحقيقات التي أجرتها وزارة العدل قيام صفوت الشريف بالتواصل هاتفيا مع أعضاء مجلسي الشعب والشوري.. من أعضاء الحزب الوطني والموالين له.. وتحريضهم علي فض المتظاهرات المعارضة لمبارك بالقوة في ميدان التحرير.. حتي لو اضطروا لقتل المتظاهرين. وتصفيتهم جسديا. وتشير التحقيقات التي أجراها المستشاران محمود السبروت وحامد راشد إلي أن الاتصالات التي أجراها صفوت الشريف انطوت علي تكليفات محددة ومباشرة لكوادر الحزب الوطني بحشد التظاهرات المضادة.. ضد كل الموجودين في ميدان التحرير.. والاعتداء علهيم من خلال تنسيق الهجمات. وكشفت التحقيقات عن أن حشود الحزب الوطني بدأت تتوافد علي الميدان بقيادة اعضاء البرلمان من الحزب الوطني وان بعضهم اعتلي الجمال والجياد والعربات التي تجرها الخيول لحض فلول الفتوات والبلطجية علي الهجوم علي المتظاهرين. وأكدت التحقيقات وشهادة الشهود.. ان صفوت الشريف وضع التخطيط .. وحدد الادوار.. وان رجل الاعمال ابراهيم كامل.. قام بالتمويل.. وقال احد شهود العيان إنه شاهد ابراهيم كامل وهو يقف وسط تجمعات تبدو عليها الشراسة والعنف.. وهو يحرضهم ضد المتظاهرين. وقال بعض الشهود انهم تلقوا مكالمات هاتفية من انصار لهم بالحزب الوطني، يخبرونهم بوجود عملية حشد ضخمة.. تجري علي قدم وساق.. بهدف اقتحام ميدان التحرير.. علي نحو يثير الصدمة والترويع والذعر بين المتظاهرين. وقال هؤلاء الشهود إنه عقب تلك المكالمات بساعة واحدة.. بدأ الهجوم علي المتظاهرين الذين لم يتوقع أي منهم استخدام هذا القدر من العنف والترويع ضد مظاهراتهم السلمية التي اتسمت بقدر كبير من الرقي.. والانضباط الذي أثار إعجاب العالم، وتحول ميدان التحرير فجأة لساحة للبلطجة.. واستخدمت الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء علي نطاق واسع.. وألقيت زجاجات المولوتوف الحارقة والسيوف والسياط والجنازير ضد المتظاهرين. وقال الشهود إن «قناصة» اعتلوا أسطح البنايات السكنية المطلة علي ميدان التحرير وكوبري أكتوبر وأمطروا المتظاهرين بوابل من الأعيرة النارية.. في الوقت الذي كان فيه راكبو الجمال والخيول والعربات والبلطجية يقتحمون الميدان ويعتدون علي المتظاهرين بشراسة وعنف. ومن أطرف ما أشار إليه الشهود.. أن مجموعة كبيرة من أصحاب الخيول تجمعوا منذ الصباح الباكر أمام منزل عبدالناصر الجابري في نزلة السمان.. وأن الجابري استقل «الكارتة» الخاصة به وانطلق يتقدم الموكب علي غرار المعارك التي خاضها أجدادنا الأوائل ضد الهكسوس. بما يعني أن نجوم الحزب الوطني الذين مارسوا البلطجة لسنوات طويلة لحسم المعارك الانتخابية.. لم يحسنوا إخفاء تآمرهم.. بعقد اللقاءات في بطون الكهوف.. وخرج عبدالناصر الجابري في موكب من الصبية والغلمان.. نحو ميدان التحرير.. كي يقول لحسني مبارك من خلال شاشات التليفزيون: ولا يهمك يا ريس! والحقيقة أن ما رواه الشهود.. وما جاء في التحقيقات التي أجرتها وزارة العدل حول التعليمات التي أصدرها صفوت الشريف لنواب الحزب الوطني بتجنيد البلطجية لفض مظاهرات التحرير.. لا تنطوي علي أي جديد.. لسبب بسيط هو أن النظام الإجرامي البائد.. لم يعتمد طوال الثلاثين سنة الماضية علي صفوة المجتمع من المثقفين.. وأصحاب السمعة الطيبة الذين يثرون الحياة السياسية.. وإنما اعتمد علي عينة صفوت الشريف وأمثاله.. الذين يحتشدون حول حسني مبارك.. وتراهم في اجتماعات مجلسي الشعب والشوري.. واحد يغط في نوم عميق.. وآخر يتثاءب ويتمطي.. وثالث يتحدث إلي ساقطة في المحمول للاتفاق علي صفقة.. وإذا تحدث الواحد منهم تخاله يبصق كلاما.. لا يؤاخذه عليه أحد.. بسبب انشغال كل الأطراف بقضاء مصالحهم.. بأقل جهد.. وأكبر عائد. ولذلك فإن ما جري في اجتماع هيئة المكتب بحضور صفوت الشريف وجمال مبارك وأحمد عز وزكريا عزمي.. بعد يومين فقط من اندلاع الحالة الثورية.. كان صورة بالكربون للعقلية السائدة داخل الحزب الوطني.. عقلية البلطجة. بلطجة في الانتخابات.. وبلطجة في الشوارع.. وبلطجة في الوصول للمواقع القيادية التي تحقق لأصحابها الثراء السريع.. إلخ. وبلطجة في صالونات التآمر.. علي نحو ما جري في اجتماع صفوت الشريف.. مع قيادات الحزب. هذه البلطجة.. كانت السمة المميزة للحزب الوطني المنحل.. والتي أدت لتحول مجالسنا النيابية لمجالس لقضاء المصالح.. وارتكاب الأعمال غير المشروعة تحت حماية الحصانة.. ولم تشهد هذه المجالس طوال الثلاثين سنة الأخيرة.. اتخاذ القرارات الصائبة.. في الوقت المناسب.. لسبب بسيط هو أن نواب الحزب المنحل لم يكافحوا للوصول لمقاعدهم من أجل مصالح الوطن.. أو الصالح العام.. وإنما كافحوا ودفعوا الرشاوي للقيادات العليا.. من أجل تحقيق المصالح الخاصة. ولذلك نقول إن ما نراه من مظاهر البلطجة قد خرج من عباءة النظام السياسي.. ومن الثقافة السائدة بين قياداته. خرجت البلطجة من الحزب الذي انفرد بالسلطة المطلقة لما يزيد علي 30 سنة.. وامتدت إلي المجالس النيابة.. لتعم ربوع البلاد بعد ذلك.. وبالتالي فقد كانت البلطجة.. هي فلسفة النظام الإجرامي البائد.. منذ تولي حسني مبارك السلطة المطلقة في البلاد. البلطجة خرجت من رئاسة الجمهورية.. في سياسات وسلوكيات عشوائية.. كانت الطابع المميز لكل ما جري خلال الثلاثين سنة الأخيرة. فالبلطجة.. هي سلوك عشوائي.. يعتمد علي القوة والهيمنة.. ولا يستند علي أي منطق أو عقل.. ولذلك فأنت تري البلطجة في بيع مصانع القطاع العام وتسريح ملايين العاملين.. وتراها في تصرف حسني مبارك.. في الأراضي الشاسعة.. بالبيع بأبخس الأسعار.. وتراها في إخفاء حسني مبارك لسبيكة من الذهب قدمها إليه وزير البترول سامح فهمي.. فإذا به ينقلها لمقر إقامته.. ويقول إن السبيكة جاءته في لفافة من الورق وأنه لم يفتحها.. ولم يكن يعرف أن السبيكة تزن عشرات الكيلوجرامات من الذهب الخالص. وإذا اتفقنا علي أن البلطجة هي سلوك عشوائي مارسه حسني مبارك علي مستوي السياستين الخارجية والداخلية.. وفق قدراته الذهنية المحدودة.. لمدة 30 سنة.. فإنه من الطبيعي أن تنتشر ثقافة البلطجة.. وتتجسد في الأحياء العشوائية التي أقيمت رغم أنف القانون.. ضاربة عرض الحائط بالسلطات المحلية التي تعبر عن هيبة الدولة.. وتعد حتي هذه اللحظة.. هي المصدر الرئيسي للبلطجة.. التي يعتمد عليها صفوت الشريف.. في الانتخابات.. وفي فوزه برئاسة مجلس الشوري بالإجماع.. وفي تجنيد البلطجية بالتليفون.. لفض الحالة الثورية.. بالأسلحة البيضاء والجمال والبغال. البلطجة.. يا عزيزي.. لم تكن حالات فردية تجسدت في موقعة الجمل. البلطجة كانت سياسة.. دولة.. وإذا أردت أن تبحث عن جذورها.. فابحث عنها في ملفات رئاسة الجمهورية!