بأقل قدر من الشكوي مرت امتحانات الثانوية العامة هذا العام والتي تنتهي يوم «السبت» القادم دون صدمات حادة أو أزمات مزمنة من الأسئلة التي جاءت في مجملها في مستوي الطالب العادي باستثناءات بسيطة في بعض المواد الدراسية، انحسار الشكوي من صعوبة الأسئلة يرجع أساسا للتعليمات المشددة التي أصدرها د. أحمد جمال الدين موسي وزير التعليم لواضعي الأسئلة بمراعاة الظروف التي مر بها الطلاب هذا العام بعد ثورة يناير وتعطل الدراسة وحذف أجزاء من المناهج، كما تدخلت العوامل السياسية لتأتي أسئلة الامتحانات أكثر سهولة لعدم إثارة حالات الهياج والاضطراب بين الطلاب وأولياء الأمور رغبة في استقرار الأوضاع خلال الفترة الانتقالية التي تمر بها مصر حاليا في ظل حالة من القلق والانفلات يعاني منها المجتمع «يعني العملية مش ناقصة أزمات الثانوية العامة». عدم توازن الأسئلة واختفاء جزئيات الأسئلة التي تقيس القدرات العليا مثل التفكير والاستنتاج والتحليل والإبداع، والاعتماد بشكل أساسي علي الأسئلة النمطية التي تقيس القدرة علي الحفظ والتذكر فقط استجابة لتعليمات السيد الوزير لواضعي الأسئلة يؤدي حتما لاختلالات جسيمة في منحني توزيع الدرجات، ينحرف منحني نتائج الطلاب بحصول أعداد كبيرة من الطلاب علي مجاميع مرتفعة تفوق ال 90% في حين أن الوضع الطبيعي للمنحني كما يؤكد أحد الخبراء بوزارة التعليم لابد أن يأخذ شكل «الجرس» بحصول غالبية الطلاب علي مجاميع من 65% إلي 75% وأعداد أقل من الطلاب يحصلون علي مجاميع أكبر من 75% وأقل من 65% ليبدو المنحني متوازنا في شكله الطبيعي، تزايد أعداد الطلاب الحاصلين علي مجاميع مرتفعة لو سارت عمليات تصحيح الإجابات بالشكل المعتاد دون تشدد يؤدي حتما لارتفاع في الحد الأدني للقبول بالجامعات خاصة في كليات القمة لو لم تتم زيادة أعداد المقبولين بالجامعات فوق الطاقة الاستيعابية للكليات المختلفة، لتنتقل الأزمة من صعوبة الأسئلة إلي صعوبة القبول بالجامعات. لا للتعليمات حتي لا تخضع أسئلة الامتحانات للتعليمات والتوجيهات والعوامل السياسية التي تتدخل وتفسد العملية التعليمية من أجل إرضاء الطلاب وأولياء الأمور، وما ينتج عن ذلك من ترحيل للأزمة إلي مكتب التنسيق عند القبول بالكليات وارتفاع صراخ الطلاب بسبب ارتفاع الحد الأدني للقبول، فقد طرح أحد الباحثين بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي مشروعا متكاملا لإصلاح نظام وضع الأسئلة والتخلص من مشاكل وأزمات الثانوية العامة سواء في مراحل وضع الأسئلة والتخلص من مشاكل وأزمات الثانوية العامة سواء في مراحل وضع الأسئلة أو نقلها أو الشكوي منها أو تسرب الامتحانات، الأمر الذي يؤدي لمحاصرة صداع سنوي اسمه الثانوية العامة، يراعي المشروع تطبيق معايير جودة التقويم التربوي لجميع مراحل التعليم ولكل المواد الدراسية، كما يتضمن الخطة الإجرائية للتنفيذ. يعتمد المشروع الذي تقدم به الباحث د. محمد فتح الله إلي وزارة التعليم علي الاستعانة بالكمبيوتر في مجال التقويم التربوي من خلال تصميم ما يعرف ببنك الأسئلة المؤمن «المغلق» بهدف استخدام الأسئلة الموضوعية المقننة والمخزون بالبنك في الامتحانات النهائية، لذا تعتبر هذه الأسئلة سرية تماما، يعتبر «بنك الأسئلة» مكانا آمنا علي الكمبيوتر لتخزين كم هائل من الأسئلة في مختلف المواد الدراسية مع تصنيف هذه الأسئلة في ذاكرة الحاسب الآلي طبقا لخصائص عديدة لقياس المهارات والقدرات المختلفة للطلاب، تكون الأسئلة متدرجة طبقا لمستويات السهولة والصعوبة لإتاحة إمكانية إنتاج امتحان متوازن في دقائق معدودة، كذلك تتم معادلة هذه الأسئلة لعمل مقارنات بين نتائجها من حيث المستوي، كل ذلك يعتمد علي برامج إحصائية وبرامج تخزين واستدعاء باستخدام نماذج مصممة مسبقا علي أجهزة الحاسب الآلي. يوضح د. محمد فتح الله مميزات بنوك الأسئلة في تحسين نوعية الأسئلة من حيث الشكل والمضمون وضمان جودتها في القياس الموضوعي لقدرات الطلاب والتخلص من أخطاء واضعي الأسئلة بالشكل التقليدي التي تجعل امتحانات الثانوية العامة مثار شكوي كل عام، كما تحافظ بنوك الأسئلة علي مستوي ثابت للامتحانات كل عام مما يحقق عدالة التقويم، وتقضي علي الآثار السلبية للامتحانات التقليدية مثل: التركيز علي جانب من المحتوي الدراسي وإهمال جانب آخر أو التركيز علي مستوي أداء عقلي وإهمال باقي المستويات، فضلا عن سهولة وضع الاختبار في أي وقت وبسرعة وسهولة. التخلص من الصداع تخزين الأسئلة الموضوعية والمقالية المتدرجة التي سبق معايرتها لقياس كل القدرات في جميع المواد الدراسية وذلك علي أجهزة الحاسب الآلي، يعني التخلص نهائيا من عشرات اللجان المكلفة بوضع الأسئلة لامتحانات الثانوية العامة في كل المواد الدراسية، الأمر الذي يؤدي لتوفير آلاف الجنيهات تصرف كمكافآت لهذه اللجان حيث تتكون كل لجنة من أستاذ جامعي في المادة الدراسية ومستشار المادة واحد الموجهين العاملين بالحقل التعليمي، الأهم هو التخلص من أخطاء العنصر البشري عند وضع الأسئلة وميل البعض للأسئلة التي تحوي الغازا أو تعقيدات، حيث يمكن عن طريق بنوك الأسئلة اختيار الأسئلة ذات التدريج القريب من مستويات الطلاب وفي نفس الوقت تكون لها القدرة علي دقة قياس تحصيل الطلاب وتصنيف الطلاب حسب مستوياتهم المختلفة. يترتب علي ذلك التخلص نهائيا من «المطبعة السرية» وعمليات طباعة الأسئلة التي تستغرق وقتا وتتكلف أموالا وجهودا للحفاظ علي السرية، حيث تتيح بنوك الأسئلة الحصول علي الاختبارات المطلوبة في وقت قصير عن طريق الحاسب الآلي باستخدام برامج مصممة لاستدعاء الأسئلة طبقا لمواصفات معينة، يحقق ذلك مميزات أهمها: تقليل التكلفة المادية عند بناء الاختبارات كل عام باستخدام اختبارات متكافئة من بنك الأسئلة بسهولة ويسر، أيضا ضمان عدم تسرب الامتحانات والحفاظ بشكل قاطع علي سرية الامتحانات سواء عند وضع الأسئلة أو عند نقل الأسئلة إلي لجان الامتحان. توفيرا للوقت اختيار أسئلة الامتحان إلكترونيا باستخدام الحاسب الآلي عملية سهلة وبسيطة يمكن أن يقوم بها رئيس امتحانات الثانوية العامة أو حتي وزير التعليم صباح يوم إجراء الامتحان وقبل بدء موعد أداء الطلاب للامتحان بوقت قصير جدا قد لا يتجاوز ساعة زمن المسألة لا تتجاوز وجود جهاز كمبيوتر وطابعة بكل لجنة امتحان علي مستوي الجمهورية (عددها حوالي 1400 لجنة)، يتم توصيل وحدات الكمبيوتر بجميع اللجان بالحاسب الآلي المركزي حيث سبق تخزين آلاف الأسئلة والامتحانات في كل المواد الدراسية طبقا للمواصفات التي تراعي توازن الأسئلة وشمولها لكل أجزاء المنهج وقدرتها علي القياس العلمي الصحيح لقدرات الطلاب. يختار المسئول «صباح يوم الامتحان أسئلة امتحان المادة الدراسية من بين نماذج امتحانات متعددة ومتكافئة لنفس المادة، بضغطة واحدة علي زر بالحاسب الآلي المركزي تظهر أسئلة الامتحان علي شاشات الكمبيوتر بجميع اللجان في وقت واحد حيث يتم طباعتها في دقائق باستخدام «الطابعة» بعدد الطلاب الذين يؤدون الامتحان أمام اللجنة، بذلك تصل الورقة الامتحانية لجميع اللجان علي مستوي الجمهورية في دقائق معدودة دون الحاجة إلي استخدام الطائرات لنقل الأسئلة والحاجة لوجود خطة لتأمين نقل الأسئلة، وعدم الحاجة لأفراد الشرطة لتأمين مراكز توزيع الأسئلة بالمحافظات المختلفة. تجاهل الوزير د. سليمان الخضري - مدير مركز الامتحانات والتقويم التربوي سابقا - يري ضرورة الاتجاه بقوة نحو تحديث منظومة التقويم والأخذ بالطرق التي تعتمد علي التقدم الهائل في أنظمة الاتصالات واستخدام الحاسب الآلي مما يوفر الوقت والجهد والمال، مع ضمان أفضل سبل الحماية والأمان لإجراء امتحانات الثانوية العامة ومحاصرة شكوي الطلاب الدائمة من الأسئلة عن طريق تصميم العديد من الامتحانات ذات الأسئلة المتوازنة والمتكافئة باستخدام الحاسب الآلي، يشير د. سليمان إلي بدء المركز القومي للامتحانات في إنشاء بنوك الأسئلة منذ عام 2005 عندما كان مديرا للمركز، حيث تم إعداد بنك أسئلة لمادة الكيمياء، غير أنه فيما يبدو توقف المشروع بعد ذلك لأسباب لا يعلمها، يضيف: يمكن استخدام أجهزة الكمبيوتر أيضا عند تصحيح إجابات الطلاب خاصة في الأسئلة الموضوعية مثل: الاختيار من متعدد وأسئلة المزاوجة وأسئلة وضع علامة صح وخطأ وغيرها، التصحيح الآلي يقضي نهائيا علي أخطاء القائمين بعمليات التصحيح ليحصل كل طالب علي حقه كاملا. ضاع مشروع إعداد بنوك للأسئلة في ظل فساد النظام السابق وإهماله لإحداث نقلة نوعية في منظومة التعليم حيث كان الاهتمام منصبا علي اقتناص الأموال وصرف المكافآت واستنزاف ميزانية التعليم في إجراءات وخطوات يمكن نسفها باللجوء للحلول الإلكترونية. بعد الثورة تحمس د. محمد فتح الله صاحب المشروع وذهب في مارس الماضي لمقابلة د. أحمد جمال الدين موسي وزير التعليم لتسليمه المشروع المتكامل لإصلاح نظام إجراء الامتحانات، رفض مدير مكتب السيد الوزير مقابلة الباحث المجتهد للوزير، بل رفض حتي استلام «المشروع» لعرضه علي الوزير، وطلب من د. فتح الله تسليم المشروع لمكتب «خدمة المواطنين» بالدور الأسفل بمقر الوزارة. لم ييأس د. فتح الله ووقف في طابور المواطنين لتسليم مشروعه، بعد عدة أسابيع ذهب مرة أخري لمكتب خدمة المواطنين يستفسر عما تم بشأن المشروع ليخطره الموظف المختص بتأشيرة الوزير «بإحالة المشروع لمدير الأكاديمية المهنية للمعلمين»!! هكذا تسير الأمور في دواوين الوزارات بعد الثورة!!