ما هكذا يكون الرحيل .. فجأة ودون سابق إنذار ، نعي الناعي زميلنا وصديقنا أحمد إسماعيل واحداً من الرعيل الأول ل«الأهالي» في إصدارها الثاني . كنا ثلاثة أحمد إسماعيل وأحمد عبد التواب وكاتب هذه السطور نجتمع يومياً طوال السنوات الأولي من هذا الإصدار ، نتناول غداءنا معاً وندردش في أحوال البلد ونطرح أفكاراً للعمل ، يقترحها أحدنا في اجتماعات اليوم التالي لتأخذ طريقها نحو التنفيذ . الجيل الجديد من صحفيي الأهالي قد يعرفونه شاعراً وكاتباً صاحب لغة أدبية وقلم ساحر وجملة سلسة ، يطرح أفكاره بأسلوب متدفق يأخذ القاريء حتي منتهي مقاله دون توقف . ولكنك يا أحمد عرفناك نحن الجيل القديم مناضلاً ثائراً شارك في المظاهرات الطلابية وانخرط في التنظيمات اليسارية ، وتحرك مع الجماهير في انتفاضة 18 و 19 يناير 1977 وتعرض للاعتقال والمحاكمة .. وحين بدأت أهالينا إصدارها الثاني، اختاره حسين عبد الرازق رئيس التحرير آنذاك ليكون أول من تولي تحرير المصري الفصيح .. يستقبل المواطنين ويتلقي بريدهم ويبث شكواهم بعبارات واضحة وعناوين أقرب إلي الشعر، ولم يجعله " المصري الفصيح " الذي كان علي مساحة صفحتين ، ينشغل عن اهتماماته ، فكان يسهم في تحرير الصفحة الثقافية ( قبل أن ينتقل إليها محرراً ثم رئيساً للقسم الثقافي ) . وتظل تحقيقاته الصحفية علامة بارزة في مسيرته الصحفية وفي تاريخ «الأهالي» .. لقد خاض معارك عديدة ضد الفساد عبر سلسلة تحقيقات تمثل درساً مهنياً للأجيال الجديدة في استقصاء الحقيقة ومناقشة الرأي والرأي الآخر وتدعيم التحقيق بمعلومات جديدة ومستندات دامغة ، ولعل أشهرها تحقيقاته عن الفساد في إحدي شركات البترول . وكم أتمني لو يعود إلي تحقيقاته الشباب الجديد، وكم أتمني لو نتولي تجميع أهم أعماله الصحفية في كتيب يستحقه كنوع من رد الجميل والتقدير . ورغم تعرضه لأزمة صحية قاسية منذ سنوات ، لكنه بإصرار عجيب تغلب علي محنته ولم تفارقه ابتسامته الجميلة ولم يتوقف عن إلقاء النكات كما اعتاد كلما يقابلني. عزيزي أحمد .. لقد تغلبت علي المرض بإرادة من حديد ، وواصلت رحلة الحياة رغم كل المنغصات ورغم كم الإحباطات .. ولكن طائر الموت الحزين خطفك منا فجأة وحرمنا حتي من وداعك الوداع الأخير .. ولعلك ذهبت إلي عالم أكثر رحابةً وتسامحاً وعدلاً .. حيث هناك يا أحمد صديقك الذي كنت دائماً تسألني عن أولاده حامد العويضي الذي لم يغب لحظة عن خاطري وسوف أظل أبكيه وأبكيك معه حتي الرحيل .. فإلي لقاء لا يعلم موعده إلا الله .