هجوم علي الظلاميين تواكب اقتراح الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون أمام مؤتمر مصر الأول: الشعب يحمي ثورته ومن أجل دولة مدنية ديمقراطية مع وقوع الاشتباكات في امبابة بين سلفيين وأقباط بسبب ما قيل عن إعلان فتاة مسيحية إسلامها واحتجاز الكنيسة لها، وقد ثار السلفيون من أجل تحرير «الأسيرة المسلمة» علي حد زعمهم ثم اتضح فيما بعد أن القصة كلها ملفقة مما يثير الشكوك حول الظهور المقلق للسلفيين بعد الثورة وأدوارهم. قال الدكتور نور فرحات فلتبق المادة الثانية من الدستور كما هي الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع علي أن تضاف مادة أخري تؤكد عدم تناقض تفسير هذه المادة الثانية من الدستور مع المواد التي تحصن حرية الاعتقاد في المواثيق الدولية، ويلغي اقتراح الدكتور «نور فرحات» أي تناقض- مفتعل غالبا- بين المواثيق الدولية وقيمها العليا من جهة والقيم والمثل التي تدعو إليها الديانات الإبراهيمية ومن بينها الدين الإسلامي من جهة أخري. وقد كان رب العالمين قاطعا في دعوته لاحترام حرية الضمير والاعتقاد حين قال صراحة «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، والله وحده هو من يحاسب الناس وليس بشر آخرون، ثم نهانا سبحانه عن إكراه بشر علي الدخول إلي رحاب الإيمان وهو ما يعني أن حق الاختيار بالإرادة الحرة للإنسان مكفول «أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين». إن الذين يفتشون في القرآن الكريم بحثا عن آيات تهدم هذه المبادئ العليا السامية إنما يصرون علي أن الدين الإسلامي يقع في مرتبة أدني من المشترك الأخلاقي العالمي، وأن الصوت الأخلاقي في القرآن إنما هو أضيق من هذا التوافق الذي توصلت إليه البشرية كلها عبر صراعات طويلة ومع ولادة ديانات وفلسفات وإنجازات حضارية كبري جعلت منها العولمة جميعا مشتركا إنسانيا أسهمت فيه كل شعوب الأرض علي الطريقة الخاصة لكل منها. إن الانشغال المجتمعي الذي تسعي الجماعات السلفية لإغراقنا فيه بإسلام هذه المرأة أو تلك أو دخول هذا المواطن أو ذاك - إلي الدين المسيحي بعد أن كان مسلما هو عمل من قبيل تحويل الشأن الخاص إلي شأن عام وصرف الأنظار عن الشأن العام الحقيقي الآن وهو كيفية حماية الثورة وتطويرها. ومن المعروف أن السلفيين وقفوا ضد ثورة 25 يناير باعتبارها خروجا عن طاعة الحاكم الذي لابد من طاعته في كل الأحيان طبقا لهم. وليس هناك معني لأفعالهم هذه بدءا من القول بغزوة الصناديق بعد الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، وتحويل الشأن الوطني إلي شأن ديني، مرورا بقطع أذن مواطن في الصعيد، ومظاهرات قنا ضد المحافظ المسيحي، والمظاهرات أمام الكاتدرائية في العباسية مطالبين بإطلاق سراح كاميليا شحاتة التي أسلمت كما يقولون وصولا إلي أحداث امبابة الأخيرة والحملة الشرسة ضد الحقوق الجزئية التي حصلت عليها النساء، أقول ليس هناك معني لكل هذا سوي محاولتهم تعويق الثورة، ووقف مسيرتها ، وإغراقها في عدم الاستقرار ليقولوا للجماهير إن النظام السابق الذي طالما دافعوا عنه متحالفين مع جهاز مباحث أمن الدولة هو وحده القادر علي تحقيق الأمن والاستقرار، وأن الثورة عليه كانت خطأ وجملة اعتراضية بين قوسين. وكان النظام السابق- الحديث حداثة خارجية شكلية وزائفة قد اشتري لنفسه اعوانا من بين أكثر فئات المجتمع رجعية وظلامية وبينهم سلفيون ليواجه بهم الإخوان المسلمين بهدف الاستقواء والاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن وإن كان يحسب له أنه حجبهم عن الإعلام المرئي والمسموع الذي يملكه، ولا يعرف أحد الآن ما حكمة النظام الجديد في فتح الأبواب والنوافذ أمام رموز السلفيين في الإذاعة والتليفزيون إلا إذا كان الحكم يسعي - باسم حرية مزيفة- إلي استخدامهم كأدوات له وهو ما يرفضه المنطق العلمي الموضوعي الذي من المفترض أن يكون منطق النظام الجديد الذي أتت به الثورة نظريا علي الأقل. إن القوي العلمانية والديمقراطية والنسائية من منظمات وأحزاب وأفراد مطالبة بأن تحشد صفوفها لتصد الهجمة الظلامية الجديدة علي العقل. وقد أنجز مؤتمر مصر الأول: الشعب يحمي ثورته إنجازا رائعا في هذا السياق ولكنه يبقي مجرد خطوة أولي لابد أن يتلوها عمل شاق وطويل المدي من أجل الدولة المدنية دولة الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.