نجح في قمع الحريات وتعذيب المواطنين وفشل في منع العمليات الإرهابية في الاجتماع الذي عقده الفريق أحمد شفيق رئيس حكومة تسيير الأعمال مع رؤساء تحرير الصحف في بداية هذا الأسبوع ألمح بأن هناك اتجاها لحل جهاز مباحث أمن الدولة الأمر الذي قوبل بارتياح شديد خاصة من جانب من يعرفون حقيقة هذا الجهاز الذي تفرغ فقط لتعذيب المواطنين وقمع الحريات. وقام مجموعة من شباب الفيس بوك بتنظيم حملة للتأكيد علي فكرة إلغاء هذا الجهاز القمعي الذي يتبع وزارة الداخلية وأنشئ بعد قيام ثورة 23 يوليو سنة 1952 ليخلف البوليس السياسي الذي ألغته الثورة، ويقع مقره الرئيسي في شارع الأزهر بالحي السادس بمدينة نصر، ومن المعروف ان مؤسس مباحث أمن الدولة هو اللواء صلاح دسوقي الششتاوي محافظ القاهرة الاسبق والساعد الايمن لجمال عبد الناصر داخل جهاز الشرطة. تتبع المواطنين في عام 1913 وفي ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر تم إنشاء جهاز للأمن السياسي، لتتبع الوطنيين والقضاء علي مقاومتهم للاحتلال، سمي "قسم المخصوص"، ويعد أقدم جهاز من نوعه في الشرق الأوسط، وقد استعان الانجليز في إنشائه ببعض ضباط البوليس المصري، وتولي ادارته لأول مرة اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة، الذي كان مقربا من الإنجليز. وبعد توقيع معاهدة 1936 تشكلت إدارتان للقلم السياسي، واحدة للقاهرة والأخري للاسكندرية، بالاضافة إلي 'قسم مخصوص' يتبع السراي مباشرة، ويرأسه قائد البوليس الملكي، ولم يكن لوزارة الداخلية أية ولاية علي هذا القسم، حيث كان قائده يتلقي أوامره مباشرة من الملك. وعلي الرغم من التغيرات الجذرية العميقة التي قامت بها ثورة 23 يوليو في معظم جوانب الحياة المصرية ، إلا أنه- وهو الأمر المذهل- ظل كثير من آليات عمل القلم المخصوص مستمرة، ومارسها الجهاز النظير الذي أقامته حكومة الثورة في أغسطس 1952 تحت اسم 'المباحث العامة'، ثم أعاد أنور السادات بعد انفراده بالحكم تسميته 'بمباحث أمن الدولة'، ثم تغيرت لافتته إلي ' قطاع مباحث أمن الدولة'، وأخيرا سمي 'جهاز أمن الدولة'. ظلت وظيفة ومهام رجل أمن الدولة قائمة في كل العصور واستمرت آليات عمله من دون تغيير ، سوي إضافة المزيد من الصلاحيات والسلطات والتغول علي كل مؤسسات الدولة، انتقاصا من حقوق المواطنين وانتهاكا لحرياتهم الأساسية، وفي كل مرة كان يجري تغيير اسم جهاز القمع السياسي لمحاولة غسل سمعته السيئة، غير أنه في كل مرة ظل وارثا أمينا لفظائع وجرائم سلفه، حيث تنتقل إليه الملفات المتعلقة بالمعارضين وتصنيفاتهم، ليعتنق الكثير مما تحتويه هذه الملفات من آراء وتقارير وتقييمات ويسير علي ضلالها. هيمنة والمسلم به في الممارسة العملية أن كل أجهزة وقطاعات الشرطة تخضع لهيمنة أمن الدولة، وتقوم علي خدمة سياساته وتوجهاته، وصار تقليدا معتمدا في مصر أن قيادات أمن الدولة عندما تنهي عملها اللاإنساني بجهاز أمن الدولة تنتقل لتولي مناصب سياسية مهمة كوزراء ومحافظين ورؤساء هيئات ومصالح حكومية، فقد تولي وزارة الداخلية من أبناء جهاز أمن الدولة اللواء عبد العظيم فهمي، وممدوح سالم (وزيرا للداخلية ثم رئيسا للوزراء) وسيد فهمي، وحسن أبوباشا، وأحمد رشدي، وحبيب العادلي. ونجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 جعل التخلص من جهاز أمن الدولة واجبا وطنيا، فهو الذي الذي استحل حرمات المواطنين وحرياتهم دون مساءلة لعقود طويلة، ولن يجدي تغيير مسماه أو استبدال لافتته ، فالفساد انتشر فيه، بما لا يجدي معه ترقيع أو إصلاح . الهدف؟ أنشئ الجهاز، بهدف حماية الأمن المصري، ومحاربة الإرهاب والتطرف وكل ما يهدد الأمن المصري، لكن هناك من يقول بأن الجهاز يعمل علي إضعاف المعارضة السياسية بكل أشكالها، وحماية النظام السياسي القائم. كما أنه يمتلك الكثير من الصلاحيات، كما أن العاملين في جهاز مباحث أمن الدولة يرشح بعضهم للمناصب الأمنية في مصر كرئاسة وزارة الداخلية بالإضافة إلي أن ضباط مباحث أمن الدولة يتمتعون بمميزات مادية ومعنوية عن غيرهم من ضباط الشرطة. ذكر العديد من المعتقلين السابقين من قبل جهاز أمن الدولة حدوث تجاوزات شديدة بحقهم، من إهانات وضرب، وتعذيب باستخدام الكهرباء والصعق في جميع أنحاء الجسد وخصوصا المناطق الحساسة، والضغط علي المعتقلين ليعترفوا بأشياء لم يرتكبوها، وأكدت هذه الأخبار أن التعذيب يستخدم بشكل أساسي وعلي نطاق واسع ضد كل المعتقلين الخارجين من السجون ومن تحقيقات أمن الدولة مما يجعل من الصعب تكذيبها نظرا للسمعة السيئة التي يتمتع بها الجهاز في مصر وباقي أجهزة الشرطة المصرية المشهورة بتعذيب وإهانة المواطنين. شهادات وبقراءة سريعة في تقارير منظمات وجمعيات حقوق الانسان خاصة النديم والتأهيل النفسي والمصرية لحقوق الانسان نجد شهادات ووقائع حول عمليات تعذيب غير آدمية قام بها جهاز أمن الدولة خاصة في العشر سنوات الأخيرة. تقول التقارير ان التعذيب في مصر ما هو إلا سياسة دولة ومنهج في العمل لا يتم التخلي عنه مهما كانت الظروف، وخرج بعد ذلك الي التعذيب في الشارع واقسام البوليس وهي نماذج لقوة أمن الدولة في مصر وكيف توحشت وتضخمت حتي اصبحت كيانا اسطوريا مخيفا يخشاه الجميع دون ان يعرفوا عنه اي شيء. ولأنه لابد لكل شيء من أصل فإن اصل قوة امن الدولة يعود إلي حالة الطوارئ، فهي تمنح سلطات واسعة للأمن في الاعتقال والقبض العشوائي تحت مسمي الاشتباه، وقد وصل عدد المعتقلين خلال العشرين عاما الماضية الي حوالي 20 ألف معتقل اكثر من نصفهم سياسيون طبقت عليهم سياسة الاعتقال المتكرر حتي قضي معظمهم اكثر من 20 عاما خلف الأسوار رغم الاحكام المتكررة بالافراج عنهم، ومع استمرار العمل بقانون الطوارئ الذي بدأ عام 1958 علي يد الرئيس عبد الناصر وحتي الآن ولم يتم تعطيله إلا في الفترة من 15 مايو 1980إلي اعقاب اغتيال الرئيس السادات، تضخم جهاز أمن الدولة واصبح له اليد العليا في الوطن والسلطة الحقيقة التي تتحكم في جميع المؤسسات وعادة ما يصدر الضباط تصريحات بهذا المعني للمقبوض عليهم وهي التصريحات التي تؤكد انهم السلطة الوحيدة وانهم فوق الدستور والقانون. تربة خصبة وتقول التقارير الحقوقية ان السلطات الآمنية لا تخبر المقبوض عليهم بسبب اعتقالهم ولا تعلن بمكانهم لفترات طويلة، وفي الغالب تكون فترات اختفاء المقبوض عليهم هي الفترات التي يحتجزون فيها في أجهزة أمن الدولة، ويتعرضون فيها لأبشع أشكال التعذيب البدني والنفسي. وفي ظل الحماية القانونية التي تمنحها حالة الطوارئ للأجهزة الأمنية، وجد جهاز أمن الدولة تربة خصبة لينمو وينتشر في كل شبر من أرض مصر كالورم السرطاني، فقد تضخم في بداية التسعينيات خاصة بعد الحادث الإرهابي الذي أودي بحياة العشرات من السياح والمواطنين في معبد الدير البحري بالاقصر، ففي اعقاب تلك التفجيرات أقيل وزير الداخلية حسن الألفي وعين بدلا منه احد رجال أمن الدولة . وطوال عهد حبيب العادلي -كما يقول التقرير- احيل عدد كبير من القضايا إلي جهاز أمن الدولة الذي تفشي نفوذه وتواجده في كل ركن من اركان البلاد في المصانع والجامعات والمدارس والمستشفيات والمصالح الحكومية، وانضمت ملفات جديدة لملفات الاتجاهات السياسية غير المعترف لها بالشرعية القانونية وعلي رأسها قضايا الأقباط، حتي أصبح لأمن الدولة نفوذ في قضايا عائلية وشخصية كزواج فتاة مسيحية من مسلم أو مشاجرة عادية بين طرفين احدهما مسيحي والآخر مسلم. والغريب ان القانون يعطي للنيابة العامة الحق في التفتيش المفاجئ علي أقسام الشرطة كما يلزم بالتفتيش حال تلقي شكاوي تفيد باحتجاز دون وجه حق أو تعرض أحد المحتجزين للتعذيب، وبصرف النظر عن مدي التزام النيابة العامة بالتزاماتها نجد أن التفتيش علي مقار أمن الدولة يقع خارج نطاق هذا الالتزام لتصبح هذه المقار هي تلك المقار المرعبة غير المعلومة في كثير من الأحيان التي يختفي فيها آلاف المواطنين لعدة أيام أو أسابيع أو شهور في انقطاع تام عن العالم الخارجي مقطوعي الصلة بأسرهم ومحاميهم. وحسب التقارير الحقوقية ففي تلك الأوكار الامنية يتعرض المواطنون لابشع اشكال التعذيب لإجبارهم علي الادلاء بالاعتراف علي انفسهم أو علي اطراف اخري أو في محاولة لتجنيدهم أو لتأديبهم علي نشاط سياسي معارض ينتقل التقرير بعد ذلك لنماذج عديدة مما يحدث في مقار أمن الدولة. نماذج فقد قامت مباحث امن الدولة بإلقاء القبض علي المواطن هانئ رياض 28 سنة خريج كلية الآداب والطالب بالدراسات العليا وعضو المركز المصري لحقوق السكن من امام مطعم التابعي بالمهندسين تحت دعوي انه يوزع منشورات تتضمن دعوة المواطنين للمشاركة في مظاهرة شعبية احتجاجا علي حرب العراق. بدأ ضرب هانئ منذ لحظة القبض عليه ثم تم اقتياده الي مقر مباحث أمن الدولة في شارع جابر بن حيان بالدقي حيث تم تعصيب عينيه وتجريده من ملابسه باستثناء ملابسه الداخلية وضربه علي المناطق الحساسة من جسده والوقوف علي ظهره بالأحذية. رامز طالب جامعي اعتقل في مظاهرات الاحتجاج علي الحرب الأمريكية ضد العراق وتم احتجازه في مقر مباحث أمن الدولة بلاظوغلي، قال رامز للضابط الذي قبض عليه انه ليس من سلطته القبض عليه حيث إن والده يعمل بمؤسسة سيادية من مؤسسات الدولة، فقال له الضابط:انت هنا في أمن الدولة مفيش حاجة اسمها انا مين..وابن مين، وكان هذا الرد بداية التعريف بسلطات أمن الدولة التي اصبحت السلطة العليا فوق كل مؤسسات الدولة طلب الضابط من رامز أن يعترف علي عدد من الأشخاص بانتمائهم لتنظيم الاشتراكيين الثوريين وأن يتعامل معهم ويصبح عميلا لأمن الدولة، وعندما رفض عذب بشدة وكانت عمليات التعذيب تتم بحضور الضابط وبأوامره وبيده في أحيان كثيرة. خرج رامز من مقر أمن الدولة لكن الضابط ظل يلاحقه بل هدده بالقتل وايذاء أهله وقام بالتحرش به بسيارته وحاول أن يصدمه ثم أطل برأسه من السيارة قائلا له:المرة دي مش حأقتلك بس باوريك اني ممكن اقتلك لو ما اتعاونتش معانا. ضحية عمرو طالب جامعي ضحية لنفس الضابط يروي حكايته لمركز النديم قائلا: قُبض علي وراء نقابة المحامين كنا خارجين من النقابة ومتجهين الي نقابة الصحفيين، كان معايا اتنين وكانت الساعة حوالي 12 ظهرا، هجم علينا 8 اشخاص، جرونا في الشارع بعد كده تحركت عربة الترحيلات الخاصة بالأمن المركزي وسابونا في العربية حوالي ساعتين تحت الحراسة، بعد كده اتحركت العربة إلي مبني لاظوغلي وعلي الباب طلبوا منا تغمية الوجه كله بطريقة الفانلة، دخلونا للتحقيق واحد واحد وكان التحقيق في الاوضة اللي في النص، أول شيء طلبوه مني خلع الملابس العلوية بحيث يبقي صدري عاريا تماما هو والبطن وبدأ يسألني ويطلب مني اعترافا بأن "م" اتصل ودعاني للمشاركة في الاعتصام، وأخذ يسألني عن اسم الشخص اللي اقنعني بالانضمام الي التجمع وملء استمارة العضوية، ولما انكرت معرفتي بالتفاصيل بدأ في الضرب، وكان الضرب من اكثر من ثلاثه، وكان فيهم واحد بيدوس بالجزمة علي بطني والخصيتين وكان التكييف باردا جدا واستمر الضرب لاكثر من ساعة، بعد كده نزلونا تحت حوالي الساعة 2,5 بدأوا ياخدوا واحد واحد بالتناوب وانا ما طلعتش تاني غير النهاردة، بس فيه واحد انا قلقان عليه جدا لانه كان بيتاخد كل شوية، وحكي لنا انه هو كان بيتعرض للتعذيب في كل جسمه بالكهرباء وبالتعليق والضرب حتي ان امين الشرطة كان بيجيبه الحجز ويقول لنا ده ما يشربش ميه خالص لان جسمه كله مليان كهرباء. فشل ان ما سبق مجرد نماذج بسيطة لسياسات جهاز أمن الدولة الذي نجح في تعذيب المواطنين وقمع الحريات بينما فشل في تتبع ومنع العمليات الإرهابية التي ضربت مصر وهددت أمنها واستقرارها بضرب السياحة المصرية وآخرها وبعد انتهاء عام 2010 بعشر دقائق فقط انفجرت سيارة مفخخة كانت موجودة بالقرب من كنيسة القديسين بسيدي بشر بمدينة الإسكندرية وراح ضحيتها 22 قتيلا و80 مصابا وكشفت التحريات المبدئية الي أن أصابع تنظيم القاعدة موجودة في مكان الحادث ليبدأ العام الجديد بصفحة جديدة تعلن عن عجز جميع الأجهزة الأمنية في الحفاظ علي الوطن.. وسوف تكشف لنا الأيام القادمة ممارسات جهاز أمن الدولة ضد المعتقلين من أبناء ثورة 25 يناير.