يلاحظ المتابع للحياة السياسية المصرية، أنه ومنذ تم تعديل الدستور المصري عام 2007، والذي انتهي بانتصار التسلطية وهزيمة - نعتقد انها مؤقتة- لقوي التغيير في مصر، هذا الانتصار الذي تمثل في تعديل المادة 76 ذلك التعديل الذي كرس التسلطية بشكل يبدو دستوريا لكنه في حقيقة الأمر يكشف فجاجة الحكم وعدم احترامه الشعب والضحك عليه، وهو ما لم ينطل علي البسطاء منه. وكذلك تعديل المادة 89، التي فهم منها الشعب، أن الحكم يريد أن يوصل له رسالة، مفادها أننا لن نغير وأن الانتخابات القادمة مزورة، ومن ثم احباط هذه الجماهير التي هي حركة الدفع الأساسية من أجل التغيير. كما أن تعديل هذه المادة يبعث برسالة أخري إلي الأحزاب السياسية تفيد بأنه لكي تظلوا في دائرة الضوء يجب أن تفهموا أن هذا لن يحدث إلا برضاء الحكم، الذي يملك السماح لمن يريد أن يكون تحت قبه البرلمان، أما من لا يريد فليس له مكان. منذ الذي حدث في عام 2007 لم تر الحياة السياسية عودة لزخم المطالبة بالتغيير إلا هذه الأيام، منذ أن أعلن الدكتور البرادعي عن دخوله ساحة الفعل السياسي مطالبا بالتغيير، بالرغم من أن البرادعي ليس له حق الترشيح للرئاسة وفقا للتعديل الدستوري الذي تم. إن القبول الكبير من قطاعات واسعة للدكتور البرادعي يعود إلي هذا السبب بالذات لأن نزوله معترك الحياة السياسية كان في الواقع تحديا لشروط اللعب السياسي، وهو ما يريده الشعب الذي سأم اللعبة السياسية بشروط الإذعان التي يفرضها الحكم طوال الوقت فلتكرس التسلطية والاستبداد وتفقد المشاركين فيها المصداقية، ها هي محاولة جادة وقوية لتغيير الشروط ورفض اللعب إلا بشروط متفق عليها من جميع أطراف الممارسة السياسية، ولذلك نري أن من يدعون الدكتور البرادعي إلي دخول حزب ما من أجل الترشح لرئاسة الجمهورية، إنما في الواقع دون أن يدروا يصبون لصالح الحكم لأن ليس المقصود الترشح، إنما تغيير شروط العملية السياسية. إن المطلوب من البرادعي هو أن يواصل معركة تحدي شروط العمل السياسي التي تدعم وتعزز تسلطية الحكم، وذلك من أجل فرض شروط بديلة طالما طالبت بها القوي السياسية المعارضة وفي مقدماتها حزب التجمع. ومن هنا تأتي ضرورة الجبهة الوطنية من أجل التغيير التي يجب أن تضم أحزاب المعارضة والقوي السياسية والاحتجاجية النشطة في الواقع المصري، حول نقطة أساسية هي تعديل شروط العمل السياسي بتعديل الدستور والقوانين لوضع شروط تمكن المجتمع من الانتقال من الحكم التسلطي إلي الحكم الديمقراطي ، لذلك نري أن دور البرادعي الذي يقوم به الآن دور تاريخي، لا يلغي بالطبع بل يدعم ويعزز الإطار الفاعل الذي لا يمكن أن يتم التغيير إلا به وهو الجبهة الوطنية التي يجب أن تكون أحزاب المعارضة عمودها الفقري، والتي يجب عليها أن تحرك كوادرها وجماهيرها وتحاول أن بكسب جماهير جديدة من أجل التغيير الديمقراطي، وأن تتوحد هذه الجبهة بكل مكوناتها من أجل تغيير شروط العمل السياسي التي تسمح لجماهير الشعب المصري أن يعبر عن اختياراته الحقيقية فإذا لم يذعن الحكم يجب عليها جميعا أن تقاطع انتخابات الرئاسة لتؤكد للشعب جديتها ومصداقيتها في الدفاع عن حقوقه. انني الآن وأنا اكتب هذا المقال ترن في أذني كلمات شهيد اليسار المصري زكي مراد في خطابه في الذكري الثالثة لتأسيس حزب التجمع ضد اتفاقيات كامب ديفيد (فلتصمت خلافاتنا ولنتحد جميعا في عراك واحد ضد المعاهدة» نعم فلتصمت خلافاتنا ولنتحد جميعا في عراك واحد ضد التسلطية والاستبداد من أجل التعبير الديمقراطي كي تكون مصر بحق للمصريين. في هذا السياق يلوم الموقف ضد الحراك السياسي الفاعل الآن في الساحة المصرية وفي القلب منه د. البرادعي هو في الحقيقية، أيا كانت الأسباب التي تقال تبريرا له، هو موقف لصالح الحكم، لصالح التسلطية ودعما لها وتكريسا لأن تظل مصر دولة السيد الرئيس لا دولة السيد المواطن.