أديب ديمتري اتصل بي الصديق «سمير تادرس» لينقل إلي الخبر المفاجئ الحزين: مات أديب دميتري في باريس منذ ساعتين كان ذلك يوم الخميس الماضي. وهكذا تطوي صفحات مهمة ومآثر كبري في تاريخ حركة اليسار المصري. عرفت أديب ديمتري في عام 1951 بعد إعلان مصطفي النحاس عن إلغاء معاهدة 1936. كنا ثلاثة.. نشكل « اللجنة الوطنية» التي تضطلع بمهام مباشرة في معترك النضال عقب إلغاء المعاهدة: اديب ديمتري والراحل الكبير عبد العزيز فهمي نجم الصحافة والاذاعة وكاتب هذه السطور. كان أديب طاقة متجددة وشحنة ثورية متفجرة تجتاح السلبية والجمود واللامبالاة وتشحذ الهمم. هكذا كان هذا المناضل والمفكر المصري.. دائما.. وفي كل اللحظات العصيبة والمواجهات العنيفة. لقد جاء من قرية الضبعة التي تقع في غرب نهر النيل بالأقصر. كبير الأسرة هو بولس باشا حنا، ولكن أديب ديمتري كان ينتمي إلي الفرع الأدني في السلم الاجتماعي، فقد كان والده ناظر معاون محطة في السكك الحديدية قبل أن تنتقل الأسرة إلي حي شبرا بالقاهرة لكي يواصل الابن تعليمه ويتخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1943 - في نفس دفعة أبو سيف ثم يحصل علي دبلوم معهد التربية العالي لسنة 1945 ودبلوم خاص في التربية سنة 1956. تلاميذه في مدرسة الخديوية الثانوية.. صاروا قادة للحركة الطلابية بعد أن استمعوا إلي دروسه. ولعب، هو نفسه. دورا قياديا في حركة المعلمين من أجل حقوقهم وتشكيل نقابتهم عام 1946. عاش أديب ديمتري زمنا كان المدرس يعين فيه علي الدرجة السادسة، ويحال علي المعاش في الدرجة السادسة في الجهاز الحكومي (!) ووصلت حركة المعلمين إلي القمة بفضل نضاله هو ورفاقه، من أمثال سعد زهران وزوجته الراحلة «سميحة»، فقد قادوا حركة الإضراب عن التصحيح في عام 1951 في وقت كانت السراي تتخذ فيه موقفا عدائيا من فكرة تشكيل نقابة للمعلمين، إلي أن أحرزت حركته النصر ، وأقر الدكتور طه حسين تشكيل النقابة. وتقرر «نفي» أديب ديمتري، بعد حريق القاهرة في 26 يناير 1952، إلي البراري- مطوبس للتدريس في مدرسة ابتدائية! ذلك أن المسئولين لم يشعروا بارتياح لطريقته في التدريب أنه يأتي معه بالدستور ليقرأ من مواده ويتساءل أمام طلابه. ما الذي حدث في البلد؟ ألا ترون أن كل الممارسات ضد الدستور؟ اعتقلوا أديب من عام 1948 حتي 21 فبراير 1950 ثم من منتصف مارس 1952 حتي 30 يوليو 1952.. ثم من 18 نوفمبر 1952 حتي ابريل 1956 وبعدها من أول يناير 1959 حتي 4 ابريل 1964. اضطر اديب ديمتري للسفر والاقامة في باريس في النصف الثاني من السبعينيات بعد أن علم أن هناك نية لاعتقاله في وقت يجري فيه عملية جراحية في عينيه مما يهدده بالاصابة بفقدان البصر في حالة الاعتقال. وواصل النضال في باريس بمشاركته ميشيل كامل في إصدار مجلة اليسار العربي وتأليف مجموعة من الكتب المهمة. الحديث يطول عن أديب ديمتري.. ونضاله يحتاج إلي صفحات.. بل مجلدات.