مني الشرقاوي.. هي الحل! في هذه الليلة تحققت المعجزة.. ورأينا مني الشاذلي مع مني الشرقاوي.. ورولا خرسا مع لميس الحديدي.. ولبني عسل مع ريم ماجد علي شاشة واحدة .. سبحان الله. ليلة الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح بكاتدرائية الأقباط بالعباسية يوم الخميس 6 يناير 2011.. لم تكن ليلة كأي ليلة. كانت ليلة بألف ليلة.. وجلست الغالبية من أبناء هذه الأمة العظيمة.. ملتصقة.. متلاحمة أمام شاشات التليفزيون تدفء بعضها بعضا.. وهي تراقب ما تراه عيونها. من اجتماع هذه الكوكبة من أهل العقول الصائبة في مكان واحد.. وهي لا تكاد تصدق ما تري. في هذه الليلة.. توحدت القنوات التليفزيونية. وتوحدت قنوات تليفزيون الفقي الأرضية مع 4 قنوات فضائية في بث مشترك وقال أسامة الشيخ إن المبادرة جاءت من الوزير الفقي.. وأكد الشيخ أن تليفزيون الفقي لا يفرق بين مصري ومصري.. ولا بين مصرية ومصرية. فكلنا من نسيج واحد.. وأن العمليات الإرهابية لا يمكن أن تفرق بيننا.. هكذا قال الشيخ نقلا عن الفقي. وفي هذه الليلة تحققت المعجزة ورأينا مني الشاذلي مع مني الشرقاوي.. ورولا خرسا مع لميس الحديدي ولبني عسل مع ريم ماجد.. علي شاشة واحدة.. دون أن نتكبد مشقة الانتقال من قناة لقناة.. بالريموت كونترول، كي نري كل واحدة.. علي حدة في مملكتها المستقلة.. ذات السيادة. ووحدة القنوات الأرضية والفضائية.. ووحدة الوجوه التي اكتسبت ثقة الرأي العام لسنوات وسنوات.. هي التي وحدت عيون الأمة في مشهد لم تألفه من قبل. لو كنت مكان أسامة الشيخ أو أنس الفقي لاخترت لمشهد مني الشرقاوي ومني الشاذلي وريم ماجد ورولا خرسا ولميس الحديدي ولبني عسل.. وهن يتمايلن من فرط برودة الجو.. فيتمايل الكون كله.. أقول لو كنت مكانهما لاخترت للمشهد أغنية أم كلثوم.. شوف الزهور واتعلم.. لماذا؟ لأن ما رأيناه في الكاتدرائية مساء الخميس السادس من يناير.. يقدم لأصحاب العقول الصائبة من أهل الرأي في بلدنا.. الحل.. لما نحن فيه من بلاء منذ ما يزيد علي ربع القرن.. إذا هم استخدموا عقولهم لدقائق معدودة. لقد قدمت لنا نجمات «التوك شو» في مصر الحل السحري لمواجهة أخطر قضايا أمننا القومي.. وهي قضية قوتنا المجتمعية.. التي دمرها.. العديد من أرباب العمائم.. الذين يظهرون.. علي شاشات تليفزيون الفقي.. يتحدثون باسم الدين.. ولا يصدقهم أحد.. ولا يثق في أي كلمة ينطقون بها أي مشاهد يمتلك خلية واحدة من العقل في رأسه. أرباب العمائم يظهرون في كل البرامج.. ويفتح لهم تليفزيون الفقي ومساعده الشيخ.. الأبواب.. كي يتحدثوا في كل كبيرة وصغيرة.. وفي الحلال والحرام.. وعن أدق الأمور في العلاقات الزوجية.. وأنواع الزواج.. وساعات المعاشرة في رمضان.. وعن أرقام لحسابات في البنوك لتلقي التبرعات إلخ.. دون أي مراعاة للتنوع الديني والثقافي في البلاد.. وفي تجاهل لأصحاب الديانات والعقائد الأخري. حدث ذلك طوال الثلاثين سنة الماضية.. بلا توقف.. وبلا محاولة لإعمال العقل.. من باب النفاق تارة.. ومن باب التذرع بالتزام حكامنا.. بالأمانة والصدق.. وأنه لا تدخل ذممهم وجيوبهم سوي العمولات الحلال.. ولا يشربون إلا ما يقدم إليهم في الأباريق.. ولا يقدم الواحد منهم علي فريسة وقع بصره عليها وهام بها.. إلا بموافقتها.. ويغدو بين يديها كالمنديل الذي تمسح به عرقها، وعلي سنة الله ورسوله. تصرفات لا تمت لصحيح الإسلام بأدني صلة.. لأن الإسلام كرم المرأة.. وحرم حصول المسئولين علي نسبة مما بين أيديهم من أموال.. بيد أن العقل الباطن.. والإحساس بالذنب وبالجرم.. هو الذي يدفع المسئول الكبير للتخفي وراء ديكور من أرباب العمائم.. ومن داعيات إسلاميات.. تكفي نظرة واحدة لوجوههن.. كي تعرف أنهن يكذبن.. وأن الواحدة منهن تستطيع القيام بانقلاب عسكري لسبب بسيط.. هو أن فقدان الجمال الخارجي هو الدليل علي فقدان الجمال الداخلي. أريد أن أقول إن إحساس كبار المسئولين في بلدنا.. بارتكاب ما يغضب الله.. هو الذي أصابهم بعقدة الذنب.. التي تجعلهم.. يبالغون في استضافة الدعاة.. الذين لا يتقنون أي عمل.. ولا ينتجون.. ولا يزرعون.. ولا يحصدون.. ويعيشون في بحبوحة من العيش علي زعم أن إسلامهم يفوق إسلامنا وأنهم يحفظون من آيات القرآن الكريم أكثر مما نحفظ. كل ذلك لا يهم. المهم.. أن اعتماد تليفزيون الفقي.. علي نجوم الدعاة من أرباب العمائم طوال ما يزيد علي ربع القرن.. لم ينشر الفضيلة بين الناس.. ولم يقلل من عدد الجرائم.،. ولا من نهب أراضي الدولة.. ولا من التحرش الجنسي بالمنتقبات.. ولا من الانهيار المروع في آداب التعامل بين الناس.. وإنما أدي لتمزيق المجتمع.. وتكريس عوامل التفرقة بين المسلم والقبطي.. بل وبين.. المسلم والمسلم. وبين المحجبة.. وغير المحجبة. وبين أرباب الذقون.. ومن يحلقون الذقون. بين مواطن يرتدي الجلباب الشرعي.. وآخر يرتدي البنطلون تشبها بالكفار. وفي كل ساعة يتمزق المجتمع.. وتنهد قواه وتضعف عناصر القوة فيه.. وتسوده السلوكيات الفجة والهزيمة النفسية، وكراهية الذات.. و«الاستهبال». وفي كل يوم نسمع عن اشتباكات.. وعن قتلي وجرحي بين مصريين.. من دمنا ولحمنا.. ونسمع عن التحرش المعماري.. ببناء زاوية أو مسجد علي أعتاب كنيسة أو معبد.. ونسمع عن فتاوي.. لا تمت للإسلام بأدني صلة.. لأنها ببساطة شديدة.. لا تمت للمنطق أو العقل.. أو حتي بآداب التعامل بين البشر. وبدأنا نسمع منذ أكثر من 30 سنة عن الأزمات الطائفية المتلاحقة.. التي تغذيها البرامج الدينية.. ويرتزق من إعلاناتها.. العديد من الدعاة.. ونجوم الدعوة.. ممن يضعون علي رءوسهم العمائم.. وممن يرتدون الملابس الأفرنجية.. وينطقون حرف «الراء» ب «الغاء» وإذا أرادوا أن ينطقوا كلمة «يا رب» نطقوها «يا غب»! أريد أن أقول إن البرامج الدينية.. لم تحد من الصراعات الطائفية في مصر.. بل هي التي أحجبتها.. وجعلت لها سوقا رائجة.. من المتاجرين بالدين والوطن.. وبكل ما له قيمة علي وجه الأرض. أن إسراف تليفزيون الفقي في استضافة الدعاة من الجنسين.. الذكور والإناث.. كان وراء التطرف.. وذيوع مظاهر التفرقة بين أبناء الوطن الواحد.. وكان وراء تحول التحرش الجنسي إلي ظاهرة تلمسها علي جميع المستويات.. للأسف الشديد.. وبين من يطلق عليهم «المتهبشون» الذين يعتمدون علي الهبش البصري والنظري. وأشارت دراسة ألمانية.. جرت بين ألف طفل ينتمون لجنسيات وديانات مختلفة.. إلي أن إدراك الطفل المسلم لمواطن الإثارة في جسد المرأة يفوق إدراك الأطفال الآخرين ممن هم في السن نفسه.. بسبب الخطاب الديني الذي يركز علي المواقع التي يتعين علي المرأة حجبها عن عيون المجتمع.. والذي يؤدي بدوره إلي ما يسمي ب «البلوغ المبكر»! وفي ظل هذه التفرقة الصارخة.. كان من الطبيعي أن تصاب القوة الأساسية لأي دولة.. وهي القوة المجتمعية.. بالخلل. القوة المجتمعية لأي دولة.. أهم من قوتها العسكرية والاقتصادية.. لأنه بغير القوة المجتمعية لا تستطيع الدولة الدفاع عن نفسها ولا تحقيق أي تقدم علي المستوي الاقتصادي. نحن نعاني من الخلل في قوانا المجتمعية منذ سنوات طويلة بسبب ما يقدم علي شاشات التليفزيون.. ويدخل البيوت ليزيد من عوامل الاحتقان الطائفي.. ويشعل نيران الفتنة.. بالفتاوي الجامحة. وفي ظل الضربات الغاشمة التي توجه من الداخل لقوانا المجتمعية.. تدهورت أوضاعنا الاقتصادية.. وسادت الفوضي.. ولم يعد للعمل قيمة.. وظهرت الدعوة التي يتبناها الرئيس الفرنسي ساركوزي بإيجاد آلية دولية لمناهضة ما سماه المخطط الديني الذي يستهدف تطهير الشرق الأوسط من الأقليات الدينية (!!) والحقيقة.. فإنه لا توجد خطة ولا مخطط.. ولكن توجد حماقة سياسية.. استمرت لسنوات طويلة.. بلا توقف.. وبلا تجديد.. وبلا رؤية مغايرة تواكب الزمن والأحداث. حالة استمرت 30 سنة. برامج دينية.. ودعاة من كل حدب وصوب يظهرون علي شاشات التليفزيون ويطلقون لألسنتهم العنان دون مراعاة للتنوع الديني والثقافي للمشاهدين. وتدهور مستمر في القيم.. والأخلاق.. وتزايد في حالات العنف.. وانحطاط في التعامل الخشن بين البشر. وارتفاع مستمر في عدد ضحايا الاحتقانات الطائفية التي بلغت 160 واقعة منذ بداية الثمانينيات. وفشل في التنمية الاقتصادية والصحة والتعليم والمرور والمواصلات العامة.. وجمع القمامة.. وحماية أراضي الدولة من النهب.. إلخ.. بسبب تراجع قوانا المجتمعية. أقول.. إننا نعيش هذا الخلل منذ 30 سنة. وفجأة. وفي ليلة واحدة.. وجدنا صورة مصر علي حقيقتها.. وكما عرفناها.. وعلي النحو الذي نتمناه.. وعلي الطريق الذي يقودنا للحاق بالأمم الراقية التي نستورد منها القمح والشعير والعدس والفول المدمس واللحوم وفوانيس رمضان.. ونحصل منها علي القروض والمعونات لتجديد وتحديث المطارات. في هذه الليلة رأينا مصر.. بثوب جديد وبشكل مختلف.. هي مصر.. كما ينبغي أن تكون.. وكما نحب لها أن تكون. ما الذي حدث؟ وما سر التحول الذي لمسناه في التعامل بين الناس في اليوم التالي مباشرة لاحتفال الكاتدرائية؟ السبب.. في رأينا هو الصدق. كل من تكلم كان صادقا. في هذه الليلة.. لم نسمع الكلمات والمرادفات والمصطلحات التي اعتدنا سماعها تجري علي ألسنة الضيوف في برامج تليفزيون الفقي.. والتي تكرس الفرق بين أبناء الوطن الواحد.. وتتجاهل التنوع الديني والثقافي لوطننا العظيم. في هذه الليلة سادت أجواء التسامح الصادق ولم تكشف الأزياء والملابس والمظاهر الخارجية عن ديانة كل مصري في الاحتفال الكبير. لم تلعب الأزياء دور البطاقة الدينية التي تكشف عن خانة الديانة.. بمجرد النظر. لقد كانت تجربة الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح.. هذا العام.. تجربة فريدة لم نعرفها منذ سنوات طويلة. فإذا كانت الصفحات الدينية في صحف الحكومة.. وبرامج «التوك شو» التي تستضيف أرباب العمائم في تليفزيون الفقي.. لم تنجح طوال الثلاثين سنة الماضية في الحد من الاحتقانات الطائفية. بل أدت لتأجيج نيرانها، فلماذا لا نجرب تحويل الدروس المستفادة من حفل الكاتدرائية إلي أسلوب جديد في برامج تليفزيون الفقي.. تقرب بين الناس وتذيب الفوارق بينهم وتحترم التنوع الديني الذي قامت عليه وحدتنا الوطنية لمئات السنين، كي نعيد لقوتنا المجتمعية القدرة علي مواجهة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. ونلحق بركب الدول الراقية.. التي نستورد منها الطعام والغذاء والدواء، ويحذرنا الخطاب الديني الغاشم من التشبه بأهلها باعتبارهم من الكفار. نحن أمام تجربة فريدة.. نتمني أن يدرسها المهندس أسامة الشيخ المسئول عن تليفزيون الفقي.. فربما نجد الحل في مني الشرقاوي.. وزميلاتها.. ممن ظهرن علي الشاشة في ليلة الاحتفال بمولد السيد المسيح. تعالوا نجرب.. فربما نجد الحل في مني الشرقاوي!