الدكتور منير مجاهد من اليساريين المعروفين بالصدق والنزاهة والنشاط الكبير، قد نشر مؤخرا في الموقع الإلكتروني «الحوار المتمدن» مقالة مهمة تداولها الكثير من اليساريين في مصر. تطرق مجاهد في مقالته لذكرياته الشخصية حينما كان عضوا بحزب التجمع، ثم انتقل إلي مناقشة التجربة الانتخابية الأخيرة، حيث أكد أن حنينه لايزال جارفا إلي الحزب بوصفه «بيت اليسار» علي حد تعبيره. وفي البداية أؤكد ترحيبي بالحوار الصادق والدافئ الذي يريد منير مجاهد له أن يبدأ بين اليساريين داخل وخارج التجمع، ولكنني أريد إيجاز وجهة نظري هنا في نقاط محددة حتي لا يتوه الحديث: أولا: إنه من الطيب الحديث عن التجمع بوصفه البيت الكبير لليسار المصري، ويعلم جميع الأصدقاء اليساريين خارج التجمع أن البيت له أبوابه الشرعية، وهي أبواب مفتوحة علي مصراعيها لمن يريد أن يدخل أو يجدد عضويته، ولكن لابد لهذا أن يمر عبر القنوات الشرعية المقررة في لائحة الحزب، فمن أراد أن يصلح شيئا يراه في مسيرة التجمع أو خطه السياسي والتنظيمي، عليه أولا أن يصبح جزءا من آلياته الداخلية. ورغم ذلك فلا ضرر مطلقا من تبادل الأفكار والنصائح مع من هم خارج التجمع. ثانيا: لا يمكن التغاضي بجرة قلم عن التاريخ الحافل لحزبنا في مواجهة كامب ديفيد والديكتاتورية والظلم الاجتماعي والتدهور الثقافي، بل إن الحزب كان في أوقات كثيرة يقف وحيدا تقريبا في مواجهة نظام جائر، بينما كان اليساريون الأعزاء خارجه يعملون بالخارج أو هربوا إلي النشاط في المنظمات الأهلية التي لا تتحدي السلطة علي أساس سياسي، وربما تتبع أجندات غربية مغرضة لكنها مربحة.. وهو ما يعترف به منير مجاهد في مقاله. ثالثا: لم نزعم في أي يوم أن التجمع منزه عن الخطأ، فالخطأ طبيعة بشرية، كما يقع نتيجة ضغوط خارجية، ويعلم الجميع حجم الضغوط الأمنية والسياسية والإعلامية التي تعرض لها التجمع علي مدي مسيرته، ولكن لا يمكن إنكار أن أي أخطاء ارتكبها حزبنا - غير المعصوم طبعا - كانت أخطاء تكتيكية، وكثيرا ما كان التصحيح يتم سريعا، حيث يوجد في التجمع أعمق وأوسع حوار داخلي لا يوجد مثيل له في أي تنظيم سياسي أو غير سياسي آخر، بل إنه حتي حركات مثل كفاية وجمعية البرادعي للتغيير وغيرهما لا تعرف هذا المستوي من الحوار الداخلي والتسامح مع الرأي المخالف. رابعا: يعيب منير مجاهد وآخرون غيره علي التجمع أنه لم يقاطع الانتخابات.. متناسيا أن التجمع كان لا يمكن أن يأخذ قرارا كهذا بعدما أعلن الإخوان والوفد والحزب الناصري المشاركة في الانتخابات، كما أن المقاطعة في المرحلة الأولي من الانتخابات كانت ستشكل أكبر هدية للحكم والحزب الوطني للقيام بالتزوير في جو هادئ وسلس، فضلا عن تاريخ التجمع الطويل في عدم الانكفاء علي النفس، ومبادرته بدخول كل المعارك الجماهيرية، وفي مقدمتها الانتخابات البرلمانية، فالانتخابات ليست مجرد يوم التصويت، وإنما هي معركة دعائية شرسة لخدمة الخط السياسي لليسار المصري. خامسا: أسأل منير مجاهد عما فعل من اتخذوا قرار المقاطعة منذ المرحلة الأولي؟ هل قاموا بتعبئة الشعب المصري من أجل المقاطعة؟ أم أن شعار المقاطعة كان نوعا من إراحة الضمير، وشيك علي بياض للانصراف إلي المنزل وكتابة بيانات التنديد ونشر الاتهامات في الصحف وعلي الفضائيات؟ أزعم أن جميع من دعوا إلي مقاطعة الانتخابات لم يفعلوا أي شيء يذكر من أجل تحويل شعارهم إلي شعار جماهيري.. اللهم إلا إذا كانوا يريدون أن ينسبوا السلبية الشعبية المعتادة تجاه الانتخابات علي أنها من إنجازاتهم الشخصية. سادسا: كان من رأيي الشخصي ورأي آخرين في حزب التجمع أن ينسحب من المرحلة الثانية من الانتخابات، ولكن الأغلبية الحزبية رأت الاستمرار في المعركة، وكان لابد من احترام رأي الأغلبية، وهذه هي الديمقراطية الحزبية الحقيقية التي لا يعرفها الكثيرون ممن أدمنوا العمل الفردي والمزاجي، وإنني علي إيمان عميق بأن ديمقراطية التجمع كفيلة بتصحيح الأخطاء ومحاسبة المخطئين. سابعا: أبدي انزعاجي الشديد من تلك السخافات التي يطلقها بعض المحبطين تاريخيا علي حزب التجمع اليوم، فإذا كان التجمع هو بيت اليسار فلماذا قذفه بالأحجار عبر النوافذ؟! يتطاول البعض علي نواب التجمع «بغض النظر عن صحة موقف المشاركة من عدمه» منكرين أنهم أبطال حقيقيون سبق لهم أن نالوا عضوية البرلمان في أعتي الظروف حيث يتمتعون بتأييد جماهيري واسع.. وأخص بالذكر المرحوم المناضل محمد عبدالعزيز شعبان، والأستاذ رأفت سيف والآخرين.. فشعبية نوابنا وقادتنا ليست محلا لأي مزايدة. ثامنا: يدعو منير مجاهد إلي مؤتمر عام لليسار المصري بين من هم داخل وخارج التجمع، متجاهلا أن التجمع سبق وأن لعب دورا رئيسيا مع التحالف الاشتراكي في عقد المؤتمر الأول لليسار المصري في الصيف الماضي، بل استضافه في قاعة جمال عبدالناصر بمقر الحزب، ومع ذلك لا أري ضررا في دعوة منير مجاهد، ولكنني أعترض بشدة علي فرض أجندة للمؤتمر عنوانها محاسبة التجمع.. وإذا قبلنا هذا جدلا فمن يا تري سيحاسب أولئك الذين تركوا العمل السياسي لسنين طويلة، ثم عادوا فجأة ليستمتعوا بنقد وتقييم الآخرين.. بل وحتي التحريض علي تعميق الخلافات داخل التجمع. أخيرا.. صحيح تماما القول بأن التجمع أو بيت اليسار هو ملك للجميع، ونحن نرحب بكل من يريد الدخول في آليات هذا البيت، شرط الالتزام بأعرافه وقواعده التنظيمية.. ونرحب أيضا بكل نقد رفاقي يأتينا من خارج الحزب.. ولكننا سنظل محافظين علي تماسكنا وآلياتنا التنظيمية الداخلية بعيدا عن العابثين والمحبطين. أمين التجمع بالقاهرة