ربما لم يتوقع أحد هذه النهاية الدرامية للأزمة فى أوكرانيا، فقد أسفرت المواجهة بين روسيا والغرب فى أوكرانيا عن فصل شبه جزيرة القرم وعودتها إلى أحضان روسيا بعد ستين عاماً من العيش فى أحضان أوكرانيا، فقد فاقت نتائج الاستفتاء الذى أحتوت أوراقه على سؤالين كلاهما بالنسبة لأوكرانيا مر بل أحدهما علقم المرار نفسه، السؤال الأول هو عن الانضمام لروسيا، والثانى عن العودة لدستور 1994، والذى يمنح القرم صلاحيات واسعة دون الرجوع إلى المركز فى كييف، ويا للألم والحسرة التى تجرعتهما أوكرانيا يوم 16 مارس، حيث صوت ما يقرب من 90% من الناخبين على الانضمام لروسيا . لن أتحدث طويلاً عن الاستفتاء ونتائجه التى كانت معروفة سلفاً ولم يشك فيما سيسفر عنه من نتائج سوى من لا يرى، ولكنى ساتحدث عن تداعيات هذا الاستفتاء، وهى بلا شك ستكون كثيرة وعظيمة، وقد تحدث تغييرات جذرية سواء على الساحة الأوكرانية أو الروسية أو الدولية، وأود أن أتحدث أولاً عن التداعيات على الساحة الدولية، فانضمام القرم إلى روسيا من خلال استفتاء شعبى هو من صميم ميثاق الأممالمتحدة، التى يقر فى مادته الأولى على حق الشعوب فى تقرير المصير، وهو ما فعله الشعب فى القرم، وله حرية الاختيار، والأمر الأهم أن الغرب يتجرع الآن من نفس الكأس الذى تجرعنه روسيا على يد نفس هذا الغرب، أيام الضعف والهوان والتقوقع، ولنا نتذكر كم العلقم الذى تجرعته روسيا عندما وعدها الغرب بأن المانيا الموحدة لن تكون عضواً فى الناتو ولم يف بوعده، بل اقتربت قوات الناتو إلى الحدود الروسية فى بولندا وجمهوريات البلطيق، وعندما خدعوا روسيا فيما يتعلق بقرار مجلس الأمن المتعلق بليبيا، وتحدثوا عن منطقة حظر جوى، فلم تستخدم روسيا حق الفيتو وامتنعت فقط عن التصويت، وضربت ليبيا، وأزيحت روسيا عن الساحة الليبية وغيرها ….، لكن عندما حدثت الأزمة فى جورجيا عام 2008، وقفت روسيا وقالت كفى، وحسمت الأمر وكان على الفاشيست الأوكران الجدد أن يتعظوا ويدركوا أن الأمر لن يمر بسهولة، لكنهم للأسف تمادوا، فكانت النتيجة هى انضمام القرم لروسيا وهذا ليس نهاية المطاف، على أى حال نظام جديد يتشكل فى العالم وربما حرب باردة من نوع جديد، لن تكون قائمة على الصراح الإيديولوجى، ولكن على مناطق النفوذ. المنفذ الوحيد أوكرانيا خط أحمر بالنسبة لروسيا، ويكفى هنا أن أكرر عبارة زبيجنو برزجينسكى مستشار الرئيس الأمريكى الأسبق لشئون الأمن القومى والتى قال فيها، إن روسيا لا يمكن أن تصبح دولة عظمى إذا فقدت أوكرانيا، وربما لهذا السبب جهزت الولاياتالمتحدة، القوميين الأوكران للقيام بهذا الإنقلاب، ومن ثم ضمها للاتحاد الأوروبى وبعد ذلك إلى الناتو، ويتم حرمان روسيا من منفذها الوحيد إلى المياه الدافئة، وهى قاعدتها البحرية فى سيفوستوبل بالقرم . هدف حرمان روسيا من منفذ على البحر الأسود قديم، منذ أن قدموا قرضاً قيمته 10 ملايين دولار مقابل شراء أراض القرم لتوطين اليهود فيها كوطن قومى، ومن ثم كان التخطيط للاستيلاء على مقاطعة كراسنودار وخيرسون فى أوكرانيا وبالتاليى عزل روسيا عن البحر الأسود، وهو الأمر الذى ربما دفع خروشوف إلى منح ضم القرم لأوكرانيا للتخلص من الإلحاح الأمريكى، باعتبار أن أوكرانيا دولة عضو فى الأممالمتحدة، وهى دولة ذات سيادة، وهى ليست مدينة، وبهذا تخلصت روسيا من الإلحاح الذى استمر حتى عقد مؤتمر يالطا عام 1943، لكن على ما يبدو حاول الغرب مرة ثانية حرمان روسيا من الإطلالة على البحر الأسود عام 2014، وفى نفس الوقت لمعاقبة روسيا على موقفها من الأزمة السورية، لأنها خرجت عن الإطار المحدد وهو فضاء الاتحاد السوفييتى السابق . نتائج الاستفتاء بالنسبة لأوكرانيا، هى بلا شك عظيمة جيوسياسياً، واقتصاديا، فمن الناحية الجغرافية فقد جزء مفترض من أراضيها، على الأقل كان تعتبره كذلك، هذا الأمر سيشجع بلا شك مواطنى أوكرانيا فى شرق البلاد وهم يتظاهرون بالفعل الآن للحصول على الأقل على حكم ذاتى فى إطار فيدرالية، وهو ما سيمنح هذه المناطق مثل لوجانسك ودنيتسك وخاركوف وربما أوديسا أهم موانى أوكرانيا على البحر الأسود، نوع من الحكم الذاتى، فهل ستستطيع القيادة الأوكرانية الحالية وقف قوة الطرد المركزى التى بدأت عجلتها فى الدوران ؟ أشك فى ذلك، ولأسباب اقتصادية حيث يعتبر شرق أوكرانيا هو المنطقة الغنية من حيث الثروات والصناعات، وسيكون تعاملها فى حالة حصولها على حكم ذاتى مع روسيا مباشرة وهى المستورد الرئيس لمنتجاتهم، وسيكون على كييف الحصول على بعض من مداخل هذه المناطق، والتى قد تطمح فى المستقبل إلى الاستقلال أو صلاحيات أوسع، من الناحية الاقتصادية، ستخسر أوكرانيا بعض حقول الغاز والنفط الموجودة فى الرصيف القارى للقرم، والأهم الدخل من السياحة الصيفية فى القرم والذى يدخل للخزينة الأوكرانية ما لا يقل عن 8 مليارات دولار . الحرس الوطنى أما روسيا، فسيكون عليها أن تتعامل مع مشاكل تتار القرم، الذين ينظرون بعين الشك للنوايا الروسية، رغم أن بعضهم صوت لصالح انضمام القرم لروسيا، وهى كثيرة فهم يطالبون بتعويضهم عن أراضيهم ومنازلهم التى تم الاستيلاء عليها عقب تهجيرهم القسرى أثناء الحرب العالمية الثانية، وأتصور أنه رغم العبء الذى سيقع على روسيا لكنها قادرة على حل هذه المشكلة، هذا بخلاف إعادة تأهيل المواطنين وحل مشاكلهم العاجلة من غاز ووقود ومياه لأن أوكرانيا سوف توقف إمداد كل هذا بالطبع، وكما يقول الخبراء الروس إن تكامل القرم فى الكيان الروسى سوف يستغرق حوالى عامين، كما أن العملة المتداولة ستكون الأوكرانية والروسية، لا شك عببء جديد لروسيا التى يعانى اقتصادها حالياً متاعب كثيرة، خاصة إذا فرضت عقوبات غربية، ورغم أن الغرب سيعانى أيضاً إلا أن أى عقوبات ستخلف متاعب لا شك فى هذا، على أي حال ردود الفعل سواء الأمريكية أو الأوروبية هزيلة حتى الآن، وسيتقدم برلمان القرم بطلب رسمى إلى روسيا للانضمام إليها بناء على نتائج الاستفتاء، روسيا ستوافق بالطبع، بينما كان رد فعل الجانب الأوكرانى هنا اتحدث عن أحدث ردود أفعال عن تعبئة 20 ألفا من رجال ما يسمى بالحرس الوطنى وهو تشكيل مسلح جديد مواز للجيش، وأعلن رئيس الوزراء الأوكرانى المؤقت أرسينى ياتسنيوك عن أنه سيحاكم كل من يدعو للانفصال، ومازال الموقف فى شرق البلاد مشتعلا وهناك مطالبات فى أحسن الأحوال بالحكم الذاتى، ويطالب البعض بالانفصال والانضمام لروسيا، فيما تحدثت إلى بعض أصدقائى ليعلقوا على نتيجة الاستفتاء، فقال لى أحدهم وهو صحفى، على القادة الأوكران فى الوقت الراهن أن يحافظوا على بقية البلاد، واستدرك أنهم مشغولون بتقسيم المناصب للأسف.. أريد أن أذكر حقيقة مهمة، وهى أن سكان القرم صوتوا بنسبة 93%، لبقاء الاتحاد السوفييتى فى الأستفتاء الذى أجرى فى عهد جورباتشوف، أتصور أن الرسالة وصلت.