الزهد، التفاني الشديد، التواضع الجم، الجدية الصارمة، أربع خصال ميزت ونسجت بخيوطها الرقيقة المتقنة ملامح ومعالم شخصية المناضل عبد الرشيد هلال، فقدته الحركة العمالية وحزب التجمع، وفي ذكري وفاته للعام الثالث وحينما نرثي الرجل فإننا في واقع الأمر ننعي قامة من قامات جيل عظيم مؤثر من الكبار الذين كانوا يشكلون رمانة الميزان وأخلاقيات عالم النضال العمالي والحركة النقابية حرصوا علي نقل خبراتهم ومعارفهم لاجيال متعاقبة. هذا الجيل حمل علي عاتقه مسئولية وأمانة الكلمة عن طيب خاطر دون تفضل ولا تكبر.. ومن المحزن أن هؤلاء العمالقة ينقرضون وينفرط عقدهم، مع تساقط افرع شجرتهم المثمرة اليانعة وبغيابهم تحرم المهن المؤسسة للوعي العام من نماذج رائعة في زمان لا يقدر القدوة، وبالتأكيد فإنه يشق علي المرء كتابة كلمات يرثي فيها عزيز عليه تتلمذ علي يده، وكان علي مسافة قريبة منه واستفاد من عمله واسهم بقسط وافر في تأسيسه مهنيا وفكريا، لكن الحديث عن جوانب تتعلق بالراحل العزيز وسجاياه ربما تكون نقطة ضوء تنير لنا الطريق المظلم في زمن طفت فيه علي السطح الطفيليات التي تملأ الدنيا ضجيجا وصخبا صباح مساء دون إنتاج حقيقي يشار إليه ويستحق التوقف عنده ودراسته والاسترشاد به في كل الأوقات. فالاستاذ عبد الرشيد هلال كان زاهدا لدرجة تبعث الاندهاش لم يسع لشهرة ولم يشغل وقته بمد جسور وقنوات العلاقات العامة مع هذا وذاك لتسليط الأضواء عليه، بل إنه كان يشعر بالحرج إذا سمع عبارات ثناء من الإعلام، وظل يردد أنه يؤدي عمله وحسب، ولا يرغب فيما هو أكثر من ذلك ، الأغرب أنه عندما طلبت منه بعض دور النشر الكبري تجميع أعماله في العمل النقابي تردد في التجاوب، وفوت فرصة يلهث خلفها الكثيرون لخشيته من أن يؤثر انشغاله في الاعداد لها علي عمله النقابي ، فلم يضبط يوما متلونا بحسب لون الطيف والهوي السياسي، وكيف يفعل هذا وكانت الحرية والديمقراطية انشودته الاثيرة فمن يرجع لارشيفه سيجده في كل معاركه مطالبا بالحرية لهذا الشعب، الحرية وليس الانفلات والتخريب حتي في عز وعنفوان نظامي السادات ومبارك، وبرع في توجيه الانظار نحو مناطق ونماذج مجهولة في الريف المصري والعمل النقابي. في حواراته ومناقشاته، سمعته مرات عديدة يتحدث بفخر عن انتمائه لحزب التجمع ذلك الحزب اليساري العريق الذي كان يناضل سياسيا من منبره جسد فيه عمليا مجموعة من القيم والمبادئ والمعاني السامية الراقية التي شح الطلب عليها في هذه الأيام رحم الله عبد الرشيد هلال مناضلا شريفا ونبيلا لقد عاش زاهدا ليؤكد أن السماء سخية بالساسة والبشر شحيحة بالموهوبين الاستثنائيين.