سيكون أسوأ ما يمكن أن تقع فيه ثقافتنا السياسية ومثقفونا الديمقراطيون هو الانقياد إلي الفكرة العملية الشائعة الآن- دون نقد- والتي تقول إن السلفيين الوهابيين هم أخف ضررا ووطأة من الإخوان الذين جربهم الشعب المصري ولفظهم. فالإخوان والسلفية الجهادية ينهلون من منبع واحد يتمثل فى الفكر الأحادي المتطرف الفقير والتكفيري. صحيح أن السلفيين الوهابيين الذين يمثلهم حزب النور يقفون الآن سياسيا علي طرف نقيض من جماعة الإخوان الإرهابية، ولا يحملون السلاح ضد الجيش والشرطة والشعب، ولكنهم يتطلعون بعد أن شاركوا فى صياغة مشروع الدستور ليكونوا بديلا عن الإخوان فى مجريات السياسة المصرية فى المرحلة المقبلة أثناء وبعد استكمال خريطة المستقبل. ودونما إعلان تتطلع المملكة العربية السعودية إلي الحصول ضمنيا علي الثمن السياسي للمعونات الاقتصادية والقروض التي منحتها لمصر فى أزمتها فى شكل حضور أكبر من المشهد السياسي لحزب النور الوهابي بديلا عن الإخوان. ويجد كثير من المثقفين أنفسهم وهم يتقبلون هذه المعادلة الصامتة التي تتضمن امتنانا لموقف كل من السعودية وحزب "النور"، سواء بسبب المعونة أو بالسبب الأهم وهو الانتقاد الذي وجهه حزب النور لممارسات الإخوان وهم فى السلطة أو بعد أن خرجوا منها. لكن هذا كله ليس مبررا للتغاضي عن التوجهات الفكرية الوهابية المتزمتة لحزب "النور" الذي يتطلع لنصيب له فى السلطة دون أن يعيد النظر فى هذه الأفكار والمنطلقات التي تحتقر علم مصر وترفض القيام للنشيد الوطني، وتري أن مكان النساء هو فى البيت وتحت الخباء الكامل إذا خرجن إلي الشارع، وتخضعهن للوصاية الأبوية الذكورية، ولن ننسي أن حزب "النور" حين خاض انتخابات عام 2011 كان يضع ورودا مكان صور مرشحاته من النساء، وتحالف مع الإخوان فى وضع دستور 2012 الإخواني السلفي بالمادة 219 الشهيرة والتي تقول إن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة من مذاهب أهل السنة والجماعة". وكما هو معروف فى التاريخ الإسلامي أن أهل السنة والجماعة يمثلون الفرقة الناجية" أي أن من هم خارجهم كلهم فى النار، وهو نفس منطق الإخوان الذين يعتبرون أنفسهم وحدهم المسلمون ولا يعترفان – كلاهما- بتعددية المذاهب والفرق والشيع فى التاريخ الإسلامي. وقد حرص مشروع دستور 2014 فى المادة 74 علي إعادة الاعتبار للنص علي حظر قيام الاحزاب علي أساس ديني، بما يعني الفصل بين الدين والسياسة وإن كان النص قد تجاهل مد هذا الحظر ليشمل المرجعية الدينية وهو الباب الذي دخلت منه كل الأحزاب التي قامت علي أساس ديني بعد تعديلات مارس 2011 الدستورية التي تلاعبت بالثورة لصالح اليمين الديني بكل أطرافه. وستدور المعركة الفكرية السياسية القادمة حول سعي اليمين الديني لإعادة الاندماج فى الحياة السياسية دون أي نقد لأفكارهم ومرجعياتهم، وإذا ما حدث ذلك سوف يشكل انتكاسة كبري للثورة وإهدارا لتضحيات الشعب المصري الذي أطاح بحكم المرشد واليمين الديني فى الموجة الثانية من ثورة 25 يناير فى 30 يونيه. وهناك مساع إقليمية ومحلية محمومة لتغليف هذه اللعبة الشريرة عبر الدفع "بعبد المنعم أبو الفتوح" بزعم أنه إسلامي معتدل رغم أنه إخواني أصيل إلي سدة الرئاسة، وهو ما يرتب علي القوي السياسية الديمقراطية مهمات ثقال لابد أن تنهض بها فى أوساط الشعب المصري حتي لا يخدعه أحد بإعادة انتاج حكم المرشد فى صورة جديدة، وبوجه آخر بعد أن احترق مرسي ثم تعود البلاد إلي المربع الأول. وربما يدعونا هذا الوضع الخطر لاستعجال قرار الفريق أول "عبد الفتاح السيسي" بالإعلان عن ترشحه لرئاسة الجمهورية. والأهم من هذا الإعلان تقديم برنامج واضح المعالم يخوض به الانتخابات ويؤسس لمصر الديمقراطية المدنية الحديثة التي تخطو بثقة نحو المستقبل، نحو تحقيق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية، وحتي لا نجد أنفسنا ونحن نعود إلي الوراء مجددا.