قد لا يعرف الكثيرون أن القائد التاريخى «نلسون مانديلا» عارض – علناً – الرأسمالية والملكية الخاصة للأراضى وسلطة المال الكبيرة، ودعا إلى الاشتراكية العلمية. وفى «ميثاق الحرية»، الذى صدر فى عام 1955 وساهم مانديلا فى إعداده، دعوة لتأميم البنوك ومناجم الذهب والأراضي، وتصميم على المطالبة بضمانات للتوزيع العادل للثروة. وارتبط مانديلا فى شبابه بعلاقات وثيقة مع الحزب الشيوعى فى جنوب أفريقيا ووضع خطة لانتفاضة مسلحة استوحى فكرتها من ثورة 1959 فى كوبا بقيادة فيدل كاسترو.. كان مانديلا ديمقراطيا اشتراكيا. يقول «بيتر هين» المناضل ضد الفصل العنصرى وصديق مانديلا إن الأخير دخل السجن وهو زعيم ثورى مقاتل.. فقد تعلم إطلاق النار فى أثيوبيا وسافر إلى الجزائر ليلتقى بثوارها، كما زار دولا أخرى عندما كان يمارس النضال السري. ويقول «ستيفن ايليس»، أستاذ التاريخ الأفريقى فى الجامعات الهولندية، فى كتابه «مهمة خارجية.. المؤتمر الوطنى الأفريقى فى المنفي» إن مانديلا كان يسارياً ويسعى للحصول على تأييد موسكو وبكين. وقد أثار مانديلا الانزعاج فى الغرب بعد أن تولى رئاسة جنوب أفريقيا (من 1994 حتى 1999) عندما أعرب عن تضامنه مع الزعيم الكوبى فيدل كاسترو ودعمه لنضال الشعب الفلسطينى من أجل إقامة دولته.. وازداد الشعور بالضيق فى الغرب عندما أقام مانديلا مأدبة لتكريم الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات فى عام 1998، وأعلن خلالها قائلا: «لقد جئت إلينا كزعيم لشعب شاركنا فى نضالنا من أجل العدالة، والآن بعد أن حصلنا على حريتنا، فإننا لا ننسى أصدقاءنا وحلفاءنا الذين ساعدونا لنحرر أنفسنا». وأثنا زيارة قام بها مانديلا لكوبا فى عام 1991، صرح بأن «حياة المناضل أرنستو شى جيفارا.. مصدر إلهام لجميع البشر الذين يتطلعون إلى الحرية». ويقول «ديفيد جيمس سميث» فى كتابه «مانديلا الشاب» أن الزعيم الأفريقى كان شديد الإعجاب بالثورة الكوبية ويدرس ما يجرى فى كوبا، لأنه يعتبر التجربة الكوبية نموذجا يمكن تطبيقه فى النشاط الثورى فى جنوب أفريقيا، وكان مانديلا يشعر بامتنان تجاه دول أخرى فى المعسكر الاشتراكى لأنها ساندته فى نضاله ضد الفصل العنصري، وذكر دولا بعينها بالاسم هو الاتحاد السوفييتى وألمانيا الشرقية والصين وحتى بعد أن ترك الرئاسة فى عام 1999، ظل مانديلا يدين الإمبريالية الغربية ويعارض قيام الولاياتالمتحدة بدور الشرطى العالمي، ويندد بالتدخل العسكرى الأمريكى – البريطانى فى كوسوفو وبالغزو الأمريكى للعراق، ويتهم واشنطن بارتكاب الفظائع المروعة فى أنحاء العالم. ولسنا فى حاجة إلى التذكير بالدور الذى لعبته المخابرات الإسرائيلية فى جنوب أفريقيا فى القبض على مانديلا فى عام 1962 ليقضى ثلث قرن فى السجن، والعلاقات الوثيقة التى كانت تربط إسرائيل بنظام الفصل العنصرى وبوقوف الولاياتالمتحدة إلى جانب ذلك النظام البغيض. تحية إلى الرجل الذى أصبح رمزا للحرية والعدل الاجتماعى والكرامة الإنسانية والمساواة والتحرر الوطنى والشجاعة والصمود.