في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.. كلفتني جريدة «الأهالي» بإجراء تحقيق صحفي من داخل محافظة بورسعيد، وكان مدخلي لإجراء التحقيق النائب البدري فرغلي أمين حزب التجمع في المدينة الحرة- وقتئذ- ، وقابلته في المقر المركزي للحزب في القاهرة وطلبت منه عنوانه في بورسعيد للوصول إليه بعد الاتفاق علي الموعد.. وبادر الصديق حمدي جمعة- مدير مكتب جريدة المصري اليوم في بورسعيد - حاليا- بالرد: اركب أي «تاكسي» وقل للسائق أريد أن أصل للبدري!، اعتبرت الرد مجاملة رقيقة من «جمعة» ل «البدري» الذي لم يكن وقتها عضوا في مجلس الشعب ولكني قبلت هذه الفكرة وتوجهت إلي بورسعيد. وناديت علي اقرب «تاكسي» البدري فرغلي لو سمحت.. وقف السائق وركبت دون ان يسألني عن وجهتي بالتحديد حسبما توقعت.. وذهب بي إلي مقر التجمع فلم نجده هناك واصطحبني السائق إلي مقهي «سمارة» وسأل بلهجة بورسعيدية عن البدري ورد أكثر من زبون.. لسة مروح البيت عشان يتغدي.. ولم يكذب السائق خبرا.. واقلني إلي منزل البدري،، وتركني بعد أن أشار لي عن الطابق الذي تقع فيه شقته..وجدته هناك فعلا. هذه الواقعة كشفت لي ما يتمتع به البدري فرغلي من شعبية كاسحة في بورسعيد قبل أن يصبح نائبا عنها في مجلس الشعب لثلاث دورات متتالية، ولم يكن غريبا أن يفوز البدري باكتساح في الانتخابات والادهي انه غير دائرته الانتخابية الأصلية بعد أن لعبت له الحكومة في دائرته الأصلية وقامت بعملية تحريك للشياخات بنقل بعضها إداريا من الدائرة.. وإحالة شياخات أخري من دائرة مجاورة إلي دائرته، وفاز البدري باكتساح في دائرته الجديدة ومن الجولة الأولي دون اعادة، وتفرغ بعدها لدعم مرشحي التجمع في بقية المحافظات بالمشاركة في مؤتمراتهم الانتخابية. يصف البعض البدري فرغلي بأنه «موهوب سياسي» في أي مؤتمر في الشارع يأخذ بعقول الجماهير وهو يحدثهم عن مشكلاتهم وما يعانونه وفي مجلس الشعب دعم شهرته وجماهيريته بأقوي الاستجوابات وأكثرها عددا حتي الآن بين نواب البرلمان المصري في تاريخه واستحق ايضا لقب «زعيم المعارضة الشعبية الذي اطلقه عليه الكاتب الكبير محمود معوض في مقال له بجريدة الأهرام.. وذات يوم قال لي الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب إنه يدخر البدري فرغلي للحديث إذا نامت الجلسة وبالفعل ما إن يتحدث «البدري» حتي تتناوب كلمات النواب اتفاقا واختلافا مع ما قاله..وحتي في الاتفاقيات الدولية التي توقعها مصر ويصفها البعض بأنها نمطية ويقوم البرلمان بالتصديق عليها أتوماتيكيا كثيرا ما أخرج من بين سطورها ما يشير إلي المساس بالسيادة الوطنية، ويفجر بكلماته وعي النواب الآخرين للتدقيق أكثر فيما تحتويه. أتذكر يوم إعلان نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2005 ، والمفاجأة التي أسفرت عن سقوط البدري فرغلي.. في خلال ساعة واحدة اتصل به غالبية الوزراء وكبار المسئولين للإعلان عن دهشتهم من النتيجة.. وتلقي اتصالات من برلمانيين عرب كثيرا ما تابعوا وصلاته وجولاته في البرلمان المصري .. وعلي مقهي «سمارة» خاطب البدري دموع أنصاره قائلا : «هذه النتيجة لا تعني لي إلا فقدان كرسي خشب داخل مجلس الشعب.. وسأظل نائب بورسعيد للسنوات الخمس المقبلة وموعدي مع أبناء المحافظة في الساعة الثامنة يوميا كما اعتدت طوال عمري لإنهاء مطالبهم. وقام البدري بتحقيق وعده وقام بدوره تجاه ابناء بورسعيد كنائب دون حصانة، وساعده القدر ليعرف ابناء المدينة الحرة قدره. تحت القبة كان البدري يتحدث دائما عن محافظته التي انهكتها القرارات الحكومية الخاطئة.. وتستفز كلماته بقية نواب المحافظة ليتحدثوا هم ايضا حتي لا يظهر وحده في «الصورة» أمام الناخبين..وبغيابه عن المجلس.. غابت بورسعيد ولم يجد النواب الحاليون ما يستفزهم لطرح هموم المحافظة.. وزادت شعبية البدري رغم الغياب علي حساب الحاضرين فعلا تحت قبة البرلمان.. وبخروجه إلي المعاش ابتكر خط إنتاج سياسي جديدا غير مسبوق.. وأسس اتحاد أصحاب المعاشات بضم فئة لم يلتفت إليها أحد من قبل ولم يتبن حزب أو مؤسسة أو هيئة طرح متاعبهم مع الحكومة التي سطت علي أموالهم بهيئة التأمينات والمعاشات، وأهملت رعايتهم اجتماعيا وصحيا. سألت البدري مؤخرا.. هل ستخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ أجاب: نعم.. في دائرة الشرق وبور فؤاد. سألت وإذا سقطت؟ أجاب: البرلمان وسيلة وليس غاية.. سأظل نائبا عن الشعب رغم إرادة الصندوق الانتخابي ومن يتحكمون فيه ويرتبون أوراقه ولا تنسي أن وعي الناخب ازداد وسيكون الناخبون هم حائط الصد الأمامي والضمانة الرئيسية نحو عودتي - من خلالهم - إلي البرلمان.