في الذكري الأربعين لنصر أكتوبر المجيد يقص علينا بعض مثقفينا ذكرياتهم قبل وأثناء الحرب وكيف أثروا فيها وتأثروا بها سواء علي المستوي الشخصي أو علي مستوي إبداعهم وفنهم . المخرج السينمائي محمد كامل القليوبي يروي ذكرياته قائلا كنت جندي مؤهلات عليا حيث تحولت خطة التجنيد في الجيش المصري بعد حرب 67 إلي تجنيد المؤهلات العليا من أجل تفعيل فكرة إستيعاب الأسلحة الجديدة والإمكانيات التكنولوجية الحديثة . حيث تغيرت أسلحة الحرب فلم يكن من الممكن أن نخوض حربا تكنولوجية إلي حد ما وبأسلحة عصرية بمجندين أميين. ويستطرد القليوبي قائلا جندت كمهندس أثناء حرب الإستنزاف وبعد حصولي علي دبلومة درسات عليا في السينما إنتقلت إلي الشئون المعنوية في الدفاع الجوي وعندما قامت الحرب عدت مرة أخري كمهندس مدني وكنت أخدم فيما يسمي " المفرزة الفنية " وهذه مهمتها معاينة المواقع التي يحدث فيها خسائر نتيجة العدوان ،لأنه في الحرب لابد من تعويض الخسائر أولابأول وهذه المهمة تتيح للمجند رؤية الحرب في أماكن متفرقة تابعة للدفاع الجوي . فلم يكن لدينا موقع ثابت ونأخذ توجيهاتنا اليومية وفق مواقعنا . فمن الممكن أن نمكث يومين في مواقعنا التي ضربت . وممكن ان تعاد الغارة مرة أخري فنضرب مرة أخري . وهذه المفارز تتشكل من مجندين اصحاب خبرات مختلفة .وتسليحنا عبارة عن بندقية نصف آلي وطلقات رصاص وخوذة . والتعليمات التي لدينا مع كل غارة أو ضرب أن نقفز في أي حفرة برمائية . وذات مرة سقطت قنبلة وزنها ألف رطل علي رأس مجند ،وأحدثت بحيرة قطرها عشرة أمتار .وأحيانا كنا نسير وسط قنابل زمنية ألقاها العدو، وكنا معرضين أن تنفجر فينا في أي لحظة . ويستطرد القليوبي قائلا لم أكن بطلا ولكني شرفت بالمشاركة في حرب أكتوبر، ولقد انتظرت الحرب أربع سنوات ونصف بعد تخرجي وكان لدينا حالة تحفز فلم يكن لدينا اي مهمة أخري في الحياة ولم نعد إلي الحياة المدنية إلا بعد انتهاء الحرب التي كانت تعني تحرير الأرض .فأنا لم اركب دبابة ولم أقتل حشرة . وكانت مهمتي فنية ولكنها مهمة جدا و طوال الوقت معرضين للموت .فأحيانا كنا نذهب إلي مواقع نائية وخشنة وبعيدة عن أي شكل من الحياة ، ومواقع أخري لا يستطيع الردار المصري كشفها بين الجبال فكان لابد من وجود فرق قتالية ترصد الحركة بدون ردارات فالطائرات الإسرائيلية كانت تتفنن في كيفية الهروب من الرادارات المصرية . وكان لنا وحدات في مواقع يسهل إختراقها ولكننا لم نهتم بكل هذه المخاطر فكان يسيطر علي تفكيرنا فكرة واحدة وهي إنتزاع كل شبر من ارض الوطن من العدو أمر يستحق أرواحنا وحياتنا كلها.هذا غير المهندسين الآخرين الذين قاموا بعمل الكباري .و عمل مخابيء للسيارات بحيث تكون جاهزة في اي لحظة للحركة بسلاسة . القناص وكاسحة الألغام الفنان التشكيلي دكتور أحمد نوار أحد قناصة حرب الإستنزاف الكبري والتي توجت بالعبورالعظيم في اكتوبر 73 لديه العديد من الذكريات أبرزها دور الشباب من الجنود المصريين في تحرير سيناء بإرادة وإحساس وطني قوي . فيقول كنا آلاف من الشباب الذين انضموا لجيشنا العظيم معظمنا من المؤهلات العليا والمتوسطة مما أحدث نقلة نوعية فارقة في تاريخ العسكرية المصرية لإستيعاب التكنولوجيا الحديثة التي تمكن المقاتل المصري من مواجهة العدو الصهيوني المتغطرس وبالفعل حدث hستيعاب سريع واختزال زمني عظيم في بضعة شهور ، مكنت الجيش من مواجهة العدو الذي تسانده امريكا بكل عتادها وسلاحها و إستطاع المقاتل المصري إحداث خلخلة وارتباك كبير داخل الجيش الصهيوني بسبب سيطرة الجيش المصري علي المواجهة بدءا من السويس جنوبا حتي بورسعيد شمالا والقدرة علي مواجهة الكم الهائل من ملايين الصواريخ والقنابل التي كانت تدك المواقع المصرية بدون خسائر تذكر . بفضل تخطيط القيادة في إستنزاف العدو بقدر المستطاع ، كما استطاع المقاتل المصري من عبور قناة السويس علي مدي سنوات والقيام بآلاف العمليات الفدائية الناجحة سواء كانت تدمير مواقع أو أسر قيادات من الجيش الصهيوني علي أبعاد تتراوح من 3 إلي 10 كيلو مترات في عمق العدو. مما أربك العدو وبدون خسائر تذكر في المقاتلين المصريين ، كما أنه منذ 1969 حتي وقف إطلاق النار سنة 70 تم تدريب الجيش الرابض بالكامل علي الشاطيء الغربي لقناة السويس علي عبور قناة السويس ليلا علي مستوي المواجهة تباعا علي شكل جماعات و فصائل و سرايا ليس بهدف العمليات العسكرية بقدر ما هو نوع من تدريب الجنود علي عبور الممر المائي " قناة السويس " وتجاوز الخوف وتأهيله لعملية العبور التي حدثت في أكتوبر 73 . التي جسدت عظمة الجيش المصري وقياداته الحكيمة التي خططت لهذا العبور بمنهجية عسكرية حديثة أذهلت العالم كله . ويستطرد نوار قائلا كنت من المقاتلين الذين عبروا قناة السويس خلف خطوط العدو من 3 كيلو إلي 5 كيلو ليلا. وأحب أن أشير إلي أن الخسارة الكبري في نظري كفنان ومقاتل عدم تسجيل وتوثيق هذه العمليات العسكرية الضخمة التي حدثت خلف خطوط العدو أو التي حدثت في إشتباكات مباشرة مع العدو حتي تصبح ذاكرة حية لقدرة وإرادة وعظمة المقاتل المصري . فقد عبرت مجموعة من الفدائيين قوامها عشرة جنود بقيادة ضابط برتبة ملازم أول أو نقيب . عبروا قناة السويس بعد العشاء في ليلة حالكة الظلام وأعدوا بعض الحفر و بعض التجهيزات التكتيكية والتي تتمثل فيها عملية التمويه بشكل رائع . ثم ظلوا في ثبات كامل حتي وصول مجموعة من دبابات العدو التي تأتي من عمق سيناء متوجهة إلي منطقة الدفرسوار شمال البحيرات المرة وهذا كان موقعي ، وتم أصطياد أول دبابة وهي " كاسحة ألغام" ثم تدمير كل الدبابات التي كانت تسير خلفها .بمن فيها من جنود العدو . ثم عادت هذه المجموعة إلي مواقعها في الضفة الغربية قبل الفجر بدون إصابة أي مجند منها ولو بجرح سطحي . ويضيف نوار قائلا سلاح القناصة في هذه الفترة كان يعتبر سلاحا جديدا علي الجيش المصري ونحن أول مجموعات تدربت علي هذا السلاح وتم إختيارنا من خلال تدريبات أولية عند ألتحاقنا بالقوات المسلحة حيث كنا مجموعة متميزة في الرماية لديها مهارة عالية ودقة في التصويب وتم إعدادنا من خلال دورات علي سلاح القناصة المجهز بالتليسكوب لمدة 45 يوما، ثم تم توزيعنا علي خط القناة من السويس جنوبا حتي بورسعيد شمالا وفي هذه الفترة من أواخر 68 و حتي منتصف سبتمبر 1970 كان لسلاح القناصة تأثير كبير في أستهداف مواقع غير واضحة بالكامل ، وكان يهدف إلي زعزعة الروح المعنوية للجندي الصهيوني. الفارس القديم ويقول الكاتب سمير عبد الفتاح تأثرت كتاباتي بالحرب فعندما دخلت الجيش حدثت لي حالة من الإحباط جعلتني لا أستطيع الكتابة لمدة 7 سنوات وبعد ما خرجت من الحرب أحتجت فترة لمعاودة الكتابة ، وعدت للكتابة بمجموعة قصصية عن الحرب بعنوان " تطهر الفارس القديم " .ثم أعقبتها مجموعة 7 ورقات شخصية لعامل التحويلة المنتحر، ثم حارس الغيوم كما صدر لي أربع روايات في كتاب واحد ثم رواية أخيرة أسمها الخيارات الشرعية .هذا بالنسبة للكتابة . ويستطرد عبد الفتاح قائلا الحرب الحقيقية تبدأ بالنسبة للكاتب تبدأ بعد توقف المدافع والرصاص . عندما يعود لحبيبته ويتزوج ويعيش حياته العادية فتأثر هذه الحرب عليه وعلي أولاده ، وإذا اصيب اصابة فادحة فكيف سيعيش بعدما ينتهي من الخدمة الإلزامية ومن هنا كتب تولوستوي " الحرب والسلام "وكتب هيمنجواي "لمن تدق الأجراس " والكتابة عن الحرب لن تتوقف لسبب بسيط وهو إننا مازلنا نعاني من حرب 67 وإن كانت حرب 73 عملت نوعا من التوازن ولكن مازال بداخلنا إحساس بالمرارة لما حدث في 67 وفي تقديري الشخصي أن السينما المصرية لم تلتفت إلي هذه الكتابات لأسباب تجارية أو بسبب موقف من الحرب او من الدم ولكن تناولتها بشكل إستعراضي او سياحي . وأصيبت برصاصة دخلت من كتفي اليمين خرجت من الشمال في هذه الحرب من قبل قناص من العدو واثرت علي تأثيرا فادحا جدا .وهذه ذكري غير سعيدة لأنها مؤلمة، وهذا كان أحد أسباب تركي للجيش فيما بعد.