عن الحرس واستقلال الجامعة دخل الحرس الجامعات المصرية، بعد أزمة مارس الشهيرة عام 1954، التي انتهت بفصل عدد من كبار أساتذة الجامعة، الذين انضموا للمطالبين بالديمقراطية، وعودة الجيش إلي ثكناته، وفي سياق سعيه لحسم الصراع مع منافسيه علي السلطة، اتخذ الرئيس السادات عدة خطوات كان من بينها حرق شرائط التسجيلات التي تقوم بها الأجهزة المختلفة لمتابعة المعارضين والتلصص عليهم، وإصدار وزير داخليته آنذاك ممدوح سالم، القرار رقم 1549 لعام 1971، إلغاء أقسام وحدات الحرس الجامعي، واستمر هذا الإلغاء حتي تحالف الرئيس السادات فيما بعد، مع جماعة الإخوان المسلمين، وأذن لها بالعمل بشكل عرفي وإعادة إصدار مجلاتها وصحفها في مقابل تعهدها بعدم القيام بأي عمل عدائي ضد النظام، كما سمح للتيارات الدينية المتشددة بالعمل داخل الجامعات لمواجهة معارضة الحركة الطلابية التي كان يقودها الطلاب الماركسيون والناصريون، وهو ما انتهي بسيطرة المتشددين الإسلاميين علي الجامعات، وبسط قبضتهم عليها، وشهدت ساحات الجامعة معارك يقودها المتشددون الدينيون بالأسلحة البيضاء والجنازير لمنع الأنشطة الطلابية الثقافية والفنية، والفصل بالقوة بين الطلاب والطالبات، وحين شعر الرئيس السادات - بعد فوات الأوان - بأن الأمور قد بدأت تخرج من سيطرة الدولة، وأن الفوضي العارمة قد عمت ساحات الجامعات في مختلف المحافظات، أعاد الحرس الجامعي بالقرار الوزاري رقم 1812 لسنة 1981 الذي أصدره النبوي إسماعيل، وظل الحرس بالجامعات حتي يوم السبت الماضي، حين أيدت المحكمة الإدارية العليا حكم إلغائه الصادر عن محكمة القضاء الإداري في نوفمبر عام 2008، بناء علي دعوي أقامتها جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعات. النشطاء السياسيون في الجامعة لديهم قائمة طويلة بالاتهامات الموجهة للحرس الجامعي، فالحرس يحول بين مظاهرات الطلبة والخروج من الجامعة، كما أنه يكلف بكتابة تقارير أمنية حول أنشطة الطلبة والأساتذة، وينسق مع أجهزة الأمن السياسي في إطار نشاطه في جمع المعلومات، وأن قبضته قد طالت معظم النشاط الجامعي كما أصبح يشكل عائقا أمام استقلال الجامعة. وفي حيثيات حكمها، أكدت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار «محمد عبدالغني» رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين «منير عبدالقدوس» و«أحمد عبدالتواب» و«منير العجاتي»، أن وجود قوات شرطة تابعة لوزارة الداخلية في إدارة الحرس الجامعي داخل حرم جامعة القاهرة وكلياتها ومعاهدها بصفة دائمة، يمثل انتقاصا من الاستقلال الذي كفله الدستور للجامعة، وقيدا علي حرية الأساتذة والباحثين والطلاب، كما أوضحت حيثيات الحكم أن المجلس الأعلي للجامعات كان قد أصدر القرار رقم 109 في يوليو 2009 في شأن تنظيم وحدات الأمن الجامعي وتحديد اختصاصها، وقامت جامعة القاهرة بإعداد الهيكل التنظيمي المقترح للإدارة العامة للأمن الجامعي والوظائف المطلوب استحداثها. ومعني ما سبق أن إدارة مدنية مؤهلة سوف تحل محل الحرس الجامعي، كي يعود الحال إلي ما كان عليه قبل العام 1981، لكن شرط الكفاءة المهنية لفرق الأمن المدنية يبقي أمرا ضروريا، لأن الحال في الجامعة الآن لم يعد كما كان عليه قبل 29 عاما. الاستناد إلي القاعدة القانونية التي تقول إن الحكم لطالبه، هو رغبة في التحايل علي تنفيذ هذا الحكم المهم علي الجامعات المصرية كافة، لأن المنطق السليم الذي استند إليه الحكم هو لائحة المجلس الأعلي للجامعات تشمل الجامعات المصرية كافة، ولا تقتصر علي جامعة القاهرة وحدها، وتقضي بإنشاء وحدة أمنية تتلقي أوامرها من رئيس الجامعة لا وزير الداخلية. يبقي أخيرا، أنه ليس بإلغاء الحرس الجامعي وحده، تستقل الجامعات المصرية، فاستقلال الجامعات يتحقق بتوفير الإمكانيات المالية والمادية للبحث العلمي، وبالفصل بين ما هو علمي وما هو ديني، وعدم تدخل السلطات الدينية في نتائج البحوث العلمية، وعدم استغلال الجامعة لرفع قضايا حسبة علي الأساتذة لإجبارهم علي العيش في المنفي كما حدث لنصر حامد أبوزيد وتهيئة المناخ لتخريج أجيال في الجامعة لديها معرفة وإلمام واسع بالواقع الذي يعيشون فيه، وتؤمن بالتفكير العلمي والعقلي وتحظي بفضيلة التحصيل والبحث والمعرفة، وإلغاء التمييز الديني بين الأساتذة في الترقيات وتولي المناصب القيادية.