اتصلت به في اليوم الأول لعيد الفطر مهنئاً رد بصوت قوي مؤكداً أنه بخير لكنه سرعان مارحل شجرة عملاقة باسقة ماتت واقفة. رحل واحد من أبطال الخمسينيات من طلائع ورواد النضال الديمقراطي المدافع عن العدالة الاجتماعية لشعب مصر والذين كانت أبسط التهم الموجهة إليهم بسبب هذه الدعوة هي العمالة والخيانة والكفر والإلحاد. لقد حمل هؤلاء وفي القلب منهم جمال الشرقاوي راية النضال الصلب من أجل مصر.. تغيير مصر وتطويرها نحو الأفضل لمدة تتجاوز اليوم أكثر من نصف قرن، وكان الثمن الذي دفعوه ودفعه جمال غالياً. سُجن جمال الشرقاوي خمس سنوات ليغادر محبسه في 5 يونيو عام 1958 غير انه لم يكن قد امضي عامًا وثلاثة شهور خارج القيد حتي أعيد اليه للمرة الثانية في أوائل سبتمبر عام 1959 عام القهر والبطش كان قد اختفي بعد حملة مارس واستقر مختبئا في الزاوية الحمراء وقد تركز عمله بين عمال شرق القاهرة. كان جمال شجاعا بحق فخوراً بانتمائه إلي الحزب الشيوعي المصري حدث له في اجتماع مع عمال كانوا يناقشون تنظيم احزاب عن العمل ان أعلن جمال «ان العمال لسيوا وحدهم في هذه المعركة فخر بكم الحزب الشيوعي المصري والذي اتشرف بتمثيله في هذا الاجتماع، معاكم. لم يكن أحد من هؤلاء العمال يعرف هويته بعد وعندما سأله رفيق كان يرافقه لماذا قال ما قال. رد عليه جمال «نحن نلتقي بعمال يعدون لاحزاب ولا يخافون فكيف نخاف نحن! عند القبض عليه سأله ضابط المباحث الذي أمسك به «لماذا تخالفون القانون وتعارضون النظام؟» رد عليه جمال «انه النظام الذي لا يود ان يسمع احداً غير نفسه لقد أيدنا النظام عن اقتناع لكنه مصر علي استخدام أساليب غير ديمقراطية. وفي مبني المباحث العامة سأله الضابط المسئول «هل انت شيوعي» رد جمال علي، «نعم انا شيوعي» وفي التحقيق معه يوم 9/9/1959 امام رئيس نيابة امن الدولة الذي قال له «انت متهم بأنك عضو في الحزب الشيوعي المصري رد عليه جمال، «أنا لست متهما بذلك لأنني بالفعل، لي الشرف، أن أكون عضواً بالحزب الشيوعي المصري الذي يمثل أماني الكادحين والشعب العامل والطبقة العاملة لتحقيق مستوي اجتماعي واقتصادي افضل لكل الشعب انه يطالب بتخفيض الأسعار وخاصة اسعار السلع الاساسية كما انه يناضل ديمقراطيا من أجل حرية تكوين الاحزاب وحرية الصحافة والاجتماع والتنظيم النقابي والحزب الشيوعي يقود التطور عن تلك المرحلة إلي مرحلة الاشتراكية في الشيوعية وكان جمال الشرقاوي بما فعل هو أول شيوعي مصري يعلن عن عضويته للحزب الشيوعي المصري أمام النيابة. أصبح جمال الشرقاوي في سجن القناطر اصلاحية الرجال هو المسئول السياسي لرفقاء الحزب الشيوعي داخل السجن ولعب دوراً توحيدياً مهما مما كان له اثره الايجابي علي الرفقاء اعضاء الحزب ودخل المسجونون الشيوعيون في السجن اضرباً عن الطعام في سبتمبر 1962 استمر 21 يوماً ضد أوضاع السجن التي غدت فوق طاقة البشر دخل جمال في الدفعة الاولي من المعذبين ويقول عنه عبدالمحسن شامة رفيق نضاله ومحبسه «كان للرفيق جمال الشرقاوي دور مهم للغاية كان يقوي الرفقاء ويثبتهم وكان هذا امتدادا لدوره الرائع في تنظيم مجلة الأحزاب والتزامه الهائل ومواقفه المبدئية القوية حتي انني أكاد اقطع انه كان القائد الحقيقي للأحزاب».. ثم دخل اضراباً آخر عام 1963 من اجل الافراج عن الرفيقات في سجن النساء تحت شعار «الافراج أو الموت» وتحقيق الافراج الفعلي عنهن اثناء الإضراب». قدم عام 1963 إلي المحاكمة في قضية ضمت اثني عشر رفيقا حيث اكد عضويته في الحزب الشيوعي المصري امام المحكمة في دفاعه السياسي أرسل بعد التصديق علي الحكم إلي منفي المحاريق بالواحات الخارجة وظل هناك حتي عام 1964 عندما صدر قرار بالعفو عن المسجونين الشيوعيين. تلك صفحة من تاريخ وكتاب زاخر عام ببطولات صامتة في مجالات عدة نضالية وصحفية وتاريخية وثقافية. عزاء إلي أسرته ورفقاء دربه دمت مثالا ونموذجا ونبراساً في الشجاعة والاقدام والبساطة والتواضع لاجيال لاحقة وقادمة.