مناضلون يساريون أحمد علي خضر قاومت البطالة بأسلوب مبتكر، أجمع عشرة عمال أو أكثر ندخل أحد المطاعم نأكل حتي نشبع ثم نعلن: لا نقود معنا، نحن متعطلون، ومن المطعم إلي قسم البوليس نهتف ويتجمع الناس حولنا في مظاهرة ممتعة. أحمد خضر في حواره معي عامل ابن عامل وجده عامل، أبوه تخرج في الثانوية الصناعية ببولاق والتحق بعنابر السكة الحديد حيث كان الجد يعمل هو أيضا. الأب وطني متحمس، كان عضوا في صفوف الحزب الوطني، ثم خاض غمار ثورة 1919 وفديا، وشارك في قيادة عمال العنابر إبان الثورة وبعد عودة سعد من المنفي عاد بعض العمال إلي العمل ورفض البعض، استمروا مضربين مطالبين بمطالب تخصهم كعمال (أجور أزيد - ساعات عمل أقل - رعاية طبية.. إلخ) وصمم علي أفندي علي قيادة المضربين في العنابر وفصل من عمله فكيف يطعم الأولاد؟ أخذهم وسافر إلي السودان ليعمل في عنابر السكة الحديد، ويجد عملا مريحا، لكن الثورة تلاحقه في السودان فيشارك هناك في ثورة 1924 فيفصل، ليعود بأولاده إلي مصر، ويجد عملا في التفتيش الملكي بأنشاص، لكنه يحرض الفلاحين علي المطالبة بحقوقهم فيفصل، ولا يجد عملا، سوي أن يعمل باليومية في أي مكان، يوما يعمل وعشرة لا يعمل، ثم يجد عملا لائقا كرئيس لورش الصيانة بشركة غزل المحلة، وذات يوم وزع الشيوعيون هناك منشورا عام 1948 قالوا فيه إن المناضل الشيوعي أحمد خضر قد أطلق عليه الرصاص ومات في المعتقل، الأب أصيب بجلطة في المخ أعجزته عن الحركة ومات، وكان الخبر كاذبا ونعود إلي الفتي أحمد، تخرج في المعهد العلمي الصناعي قسم نسيج عام 1937، تنقل هو أيضا بين مصنع وآخر وفي كل مصنع يحرض العمال ويفصل، وذات مرة كان يقود إضرابا في مصنع كسم وقباني للنسيج فاقترب منه زميل له في الإضراب ودعاه إلي مقابلة أحد الأشخاص يريد مقابلته كزعيم عمالي، والتقي حلمي حامد «ميكانيكي طيران» واستطالت النقاشات في جلسات متعددة، فتح حلمي أمامه آفاق نضال جديد من أجل الطبقة العاملة ككل ومن أجل الشعب كله وفي عام 1943 أصبح أحمد شيوعيا، ويواصل أحمد معاركه العمالية بمفهوم جديد ويقود إضرابا جديدا في مصنع «كسم وقباني» فيصدر قرار بفصله في سبتمبر 1944 ويصدر القلم المخصوص «البوليس السياسي» قرارا بمنعه من العمل في أي مصنع بشبرا الخيمة ويبقي 25 شهرا بلا عمل فقرر العمال أن يتبرعوا بقروشهم لأحمد وفي كل شهر كان يعيش علي ما يتبرعون به «يخصم من التبرع خمسة جنيهات يتبرع هو بها للتنظيم، ولأنه بلا عمل كرس كل وقته للنضال العمالي ولتجنيد رفاقه من العمال وأصبح وعن جدارة واحدا من أهم الكوادر العمالية في التنظيم «الحركة المصرية للتحرر الوطني»، ولأنه بلا عمل فقد كانت فرصة أمام القلم المخصوص لأن يطارده بتهمة التشرد وألقي به في حجز قسم السيدة زينب لكن العمال فجروا قضيته مطالبين بالتضامن معه، وكتب عبدالرحمن الشرقاوي عنه قصيدة اتخذها هو مقدمة لدفاعه عن نفسه وفي جريدة «الوفد المصري» كتب د. محمد مندور مقالا دفاعا عنه، وأثار النائب حنفي الشريف «وفدي» قضيته في مجلس النواب ويحكم القاضي بالإفراج عنه مسجلا في الحكم إدانة للبوليس، ويجد أحمد عملا في المنيا مديرا لمصنع نسيج صغير (20 نولا) ويكرس وقته لبناء قاعدة حزبية وعمالية في المنيا ويبني للتنظيم قواعد في محلج هندرسون وعمال الأتوبيس وعمال الري وفي جمعية الشبان المسلمين وجمعية الشبان المسيحيين وتصبح المنيا علي يديه قلعة للنشاط الشيوعي وفي 15 مايو 1948 تعلن الأحكام العرفية وتحضر مجموعة ضباط من القاهرة لاعتقاله، كان في المنيا بعيدا عن صخب الانقسامات، وما أن دخل من بوابة المعتقل حتي اكتشف أن حدتو قد تعرضت لانقسامات عدة سأله المنقسمون هل أنت مع حزب الطبقة العاملة أم مع حزب القوات الوطنية الديمقراطية «وطبعا قلت مع حزب الطبقة العاملة قلتها بحماس ودون أي تردد وهكذاانقسمت عن منظمتي التي تربيت وناضلت فيها وأصبحت عضوا في تنظيم «العمالية الثورية» ثم قائدا فيه وفور الإفراج عن المعتقلين (عام 1950) هرب جميع البرجوازيين الصغار بعد أن رفعوا أعلي الشعارات وأكثرها تشددا وسافر كبارهم في صفقة مع وزير الداخلية «فؤاد سراج الدين» إلي أوروبا في منح لدراسة الدكتوراة رتبها الوزير لهم، ووجدت نفسي ومعي مجموعة صغيرة من العمال بعد أن تلقنت درسا مريرا مفاده أن الثورية ليست شعارات ولا تشنج وإنما هي الاستمرارية في النضال «مخطوط كتبه أحمد خضر بناء علي طلبي»، وبدأ أحمد من جديد مع زميلين فقط كانوا كل من تبقي من هوجة الانقساميين والباقون، البرجوازيون الصغار هربوا، جلس الثلاثة وقرروا تأسيس تنظيم جديد سموه «النجم الأحمر» ويخوض التنظيم معركة العمال المتعطلين بأسلوب مبتكر، جمعوا العشرات منهم يأكلون في مطعم ولا يدفعون ويهتفون مطالبين بخبز أو عمل وينتهي الأمر بعلقة أو محضر، وذات يوم تحرك ومعه جيش من العاطلين توزعوا علي أربعة عشر مطعما في ميدان العتبة وما حوله وإلي قسم البوليس خرجت المجموعات لتلقي معا وتلتف حولها جموع من المواطنين في مظاهرة كبيرة إلي قسم الموسكي حيث محامون يساريون ينتظرونهم للدفاع عنهم، وتتفجر القضية علي صفحات العديد من الجرائد وبدأ الحديث عن ضرورة «التأمين ضد البطالة»، ولكن كان للأمن رأي آخر فهذا الصوت المشاغب يجب أن يصمت فقبض عليه وقدم للمحاكمة ودافع عن نفسه دفاعا سياسيا شجاعا أدان فيه النظام بأكمله مطالبا للطبقة العاملة بحقوقها داعيا لإقامة دولة العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وفي السجن شارك بحماس شديد في معركة توحيد الشيوعيين في حزب واحد وكان أحد المساهمين الأساسيين في بناء الوحدة، ويفرج عنه في 1957 ليصبح واحدا من أهم الكوادر في الحزب الوليد ومسئولا عن القاهرة وشبرا الخيمة ثم مسئولا عن أسيوط وسوهاج، وفي مارس 1959 يقبض علينا معا في أحد اللقاءات ويحكم علينا معا بالسجن خمس سنوات ويفرج عنا معا في أبريل 1964. وعندما يتأسس حزب التجمع يكون أحمد علي فراش مرض طويل وتأتيني منه رسالة قال فيها «وأخيرا.. وبعد قيام حزب التجمع أعلن انضمامي إليه كحزب يدافع عن الشعب وعن الاشتراكية وسأظل بقية حياتي عضوا في التجمع ومدافعا تحت رايته عن الاشتراكية وعن العمال» ويظل أحمد يراسلني بالبريد كل عدة أيام يتابع ما يجري ويقول رأيه ويجدد العهد حتي يرحل.