مناضلون يساريون أحمد مصطفي عندما قامت ثورة يوليو كنت في السجن بتهمة العيب في الذات الملكية، والشاهد علي في القضية كان ضابطا طرده ضباط يوليو من الخدمة بتهمة العمالة للقصر الملكي وللاحتلال، ومع ذلك أتوا به شاهدا وأخذت المحكمة بشهادته وحكمت علي بالحبس عامين. أحمد مصطفي «في حواره معي» الأب كان نجار باب وشباك، ولكن الفقر كان يلاحقه بحيث يصبح الخبز شحيحا، وقد يمضي عليهم اليوم بلا طعام فتأخذهم الأم إلي أختها بحجة زيارتها، والهدف الحقيقي هو أن يجد الأطفال بعضا من طعام. ومع ذلك يحاول الأب أن يدفع الابن إلي الدراسة لعله يفلت بجلده ويفلتهم معه من الجوع. ومن كتاب الشيخ ياقوت إلي مدرسة الجمعية المصرية الخيرية الأولية ثم مدرسة مبروك الابتدائية، ويمضي الفتي سريعا ومتفوقا حتي امتحان الشهادة الابتدائية والمطلوب خمسون قرشا رسوم الامتحان، الأب استسلم فالخمسون قرشا صعبة المنال، لكن أحمد صمم وعاند وذهب إلي خالته وأتي بالخمسين قرشا وامتحن ونجح وقفز إلي مدرسة المرقسية الثانوية حيث نجح في الحصول علي نصف مجانية، ثم تأتي الحرب العالمية الثانية وتحت وطأة الغارات الجوية التي تكاثفت علي الإسكندرية تقرر تهجير عديد من سكان الإسكندرية، فتكون كارثة إضافية علي الأسرة وكارثة شخصية عليه فمواصلة الدراسة شبه مستحيلة، لكنه واصل مصمما علي النجاح، ونجح والتحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية ووجد عملا في مصلحة الجمارك وواصل دراسته في المعهد. وأحمد منذ أيام دراسته في المدرسة المرقسية عشق القراءة. ولكن القراءة رفاهية فاتفق مع بائع كتب ومجلات قديمة أن يقرأ بعضا من المجلات القديمة مقابل قرش تعريفة بما يعني أن يمضي علي قدميه ماشيا إلي المدرسة عدة أيام كيف هذا المبلغ الذي تبدي باهظا بالنسبة له. قرأ أعدادا كثيرة من مجلتي الأزهر ومصر الفتاة، توجه إلي الإخوان ثم إلي مصر الفتاة ولكنه لا هنا ولا هناك ما يغريه فقط يفيض حماسا ضد الانجليز. وبعد تفكير طويل حول كيفية محاربة الانجليز قرر تشكيل تنظيم سري وبدأ بأصدقائه في الحي وفي المدرسة: سعد عبد المتعال، عبد القادر عامر، عبد الحميد غالي وجابر المعايرجي وآخرين وفي 1945 كانت الحرب تنتهي وامتلأت جدران الاسكندرية بشعارات تقول : يا شباب 1945 كن كشباب 1919» هم بدأوا في الكتابة علي الجدران «يوم النصر هو يوم خروج الانجليز من مصر»، و«استعدوا للثورة» و«الجلاء بالدماء». وكانوا يصطحبون اصدقاءهم في جولات في الحي وحيث توجد كتاباتهم علي الجدران ويتعرفون علي موقفهم من هذه الكتابات بهدف ضم من يجدون عندهم حماساً. والكتابة علي الجدران لا تكفي كتبوا منشورات وطبعوها علي البالوظة والتوقيع «المجاهدون». أحدهم وهو جابر المعايرجي نجح في توفير آلة طباعة عن طريق صديق له يعمل في إحدي القنصليات وطبعوا عليها منشوراتهم، لكنها لا تكفي فقرروا أن يوزعوا أنفسهم علي المساجد يوم الجمعة ويلقي خطبة بعد الصلاة مطالبا الجماهير بالجهاد ضد الانجليز. لكن الجماهير لا تعرف ان اقتنعت لا نعرف كيف نتصل بها، ومن مصروفهم الشحيح استأجروا غرفة في إحدي المدارس الأولية بحجة أنها فصل لمحو الأمية لكن البوليس السياسي تابع خطبهم في المساجد واستدعاهم وحذرهم، وفي نفس اليوم طردهم صاحب المدرسة. لكن أحمد ورفاقه يتقدون حماسا ضد الانجليز فذهبوا إلي الإخوان واستمعوا إلي مواعظ وخطب طويلة لكنهم اكتشفوا أنه مجرد كلام وهم يريدون عملا فوريا. ولم يبق أمامهم سوي مصر الفتاة فقد استبعدوا الوفد بسبب حادث 4 فبراير 1942. وفي مصر الفتاة التقوا قائدا وطنيا حقا هو الاستاذ ابراهيم طلعت المحامي، كان يتقد حماسا هو أيضا ولعله اكتشف انهم نموذج آخر فاحتضنهم وفتح لهم مقراً لمصر الفتاة في حيهم (حي الجمرك) وساعدهم علي طباعة منشوراتهم وتدفقت عليهم عضوية عديدة فقرروا عقد جمعية عمومية للشعبة لانتخاب قيادة لها ولكن قيادة مصر الفتاة كانت حذرة منهم وحتي من ابراهيم طلعت وارسلت من أفسد الاجتماع فانسحبوا من مصر الفتاة، لكن أحمد عنيد ولقن زملاءه العناد فقرروا افتتاح مشروع اقتصادي يدبرون منه مالا ويتخذونه مقرا، استدان سعد عبد المتعال ثلاثين جنيها من خالته واقنعها بربح وفير، تقدم لهم شاب اسمه ابو المكارم تقرب منهم. هو من المحلة ويعرف مهنة النسيج واشتري نولا يدويا وقبل أن يبدأ مشروعهم في العمل اختفي ابو المكارم. وجاء البوليس السياسي بزعم التفتيش عن قنابل دمر كل شيء في الدكان وضاع المشروع. وفي عام 1946 بدأ الصراع الجماهيري المفتوح ضد الانجليز، مظاهرات صاخبة شاركوا فيها. ضربهم البوليس وضربوه وفي اجتماع لهم سألوا أنفسهم مصريون يضربون مصريين فهل نترك الانجليز آمنين، وكان البوليس السياسي قد لفت نظرهم إلي القنابل بحثوا طويلا حتي عثروا علي من يبيع لهم بقروشهم القليلة قنابل. لكن مشكلتهم هي أن تفجيرات عديدة قام بها آخرون لكنها أوقعت أيضا مصريين، والدم المصري لا يهدر فقط الانجليز. وفي 4 مارس حيث المظاهرة المجيدة في الاسكندرية تدافعوا إلي ميدان محطة الرمل وتقدم أحدهم حاملا قنبلة. التعليمات لديه أن يبتعد عن المصريين. وابتعد أكثر مما يجب فاقترب أكثر مما يجب من الانجليز واطلقوا عليه الرصاص. وفقدت المجموعة أول شهيد لها هو العامل سليمان أبو المجد. ورغم ذلك حاذروا تماما من اصابة أي مصري بما أكسبهم تعاطف المصريين وحتي القاضي الذي حاكمهم فيما بعد تعاطف معهم وهو بالمناسبة المستشار أحمد الخازندار الذي قتله الاخوان. واتقنوا شعار ضد الانجليز وحدهم وفي ثمانية أيام دوت الاسكندرية بأربعة تفجيرات. غضب الانجليز واعلنوا الانسحاب من المفاوضات ورصدت الحكومة جائزة قدرها خمسة آلاف جنيه لمن يرشد عنهم. وأرشد عنهم محسن كامل شقيق زميلهم فاروق كامل. وقف في المحكمة يشهد علي أخيه القاضي الخازندار أذله وهو يسأله شهدت علي أخيك والباقون من المجموعة ألقوا قنبلة علي منزله. و«الأهرام» نشرت عنوانا «أخ يشهد علي أخيه». وعندما افرج عنه اشتعلت حرب فلسطين كان يعمل في جمرك رفح فكان يدبر للمقاومين الفلسطينيين تهريب السلاح بل يشتري لهم سلاحا من الاسكندرية. وكان له رفاق في المجموعة هربوا من السجن عبد القادر عامر ومصطفي الدفراوي وعبد الرحمن مرسي وسافروا للقتال مع الفلسطينيين في كتائب فوزي القاوقجي أرسل لهم أنه سيلحق بهم فأرسلوا لا تأتي ، فالأمر ليس جديا. وأخيرا تذكر رفاق السجن من الشيوعيين عبد المنعم خربوش، حمزة البسيوني، عبد المنعم ابراهيم وغيرهم كان معجبا بصلابتهم وبرؤيتهم وأفكارهم وانضم إليهم.. وهنا تذكر البوليس حتي بعد ثورة يوليو قضية العيب في الذات الملكية وبعد أن امضي العقوبة بعدة أشهر أعيد القبض عليه بتهمة معاكسة هي العداء لثورة يوليو، وأمام مجلس عسكري عال يرأسه الفريق الدجوي جرت محاكمته مع عديد من رفاقه محاميه سأل الشاهد الضابط سمير درويش: هل صحيح أن الانجليز منحوك وسام نظير خدماتك للتاج البريطاني؟ فأجاب نعم فسأله ما هي الخدمات التي قدمتها. هنا انتفض الدجوي ومنع الاجابة، وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات أشغال، ثم أضيف إليها ثلاث سنوات اعتقال. وعندما خرج التحق بعمل في شركة الورق الأهلية، وانتخب عضوا في مجلس الإدارة. ثم سافر إلي عدن ليعمل خبيرا في وزارة العدل والضمان الاجتماعي، ثم خبيرا في البرنامج الإنمائي. وعندما أقام الحزب الشيوعي المصري محطة اذاعة تنطلق من عدن ارتفع صوته عبرها متحدثا مع معشوقته مصر. وهزه الشوق فأتي إلي مصر ويعود ليقبض عليه عام 1975 ثم يكون واحداً من مؤسسي حزب التجمع ويقبض عليه عقب انتفاضة يناير 1977 ويبقي، ولم يزل يناضل رغم السن المتقدم في صفوف التجمعيين. أنه معدن لا يتكرر من الرجال.