الانتخابات .. والعنف المنتظر تشير كل الدلائل إلي أن انتخابات مجلس الشعب القادمة ستشهد سخونة غير مسبوقة، ليس فقط لأهميتها في حسم قضية التغيير من عدمه وكونها تسبق مباشرة انتخابات رئاسة الجمهورية وتصاعد احتمال ترشيح الرئيس حسني مبارك لفترة رئاسية سادسة (!) بما يعني بشكل قطعي استمرار السياسات الراهنة المطبقة منذ ثلاثين عاما (1981 - 2011).. ولكن لأن الأحزاب والقوي السياسية الرئيسية في المجتمع حسمت خوضها هذه الانتخابات ورفضت دعوات المقاطعة، وأعلنت بعضها أنها تخوض الانتخابات من أجل التغيير وهزيمة التزوير الذي أصبح سمة رئيسية لكل الانتخابات العامة. فالحزب الوطني الذي احتكر الأغلبية المطلقة في مجلس الشعب - بالتزوير - منذ بدء التعددية الحزبية المقيدة عام 1976، قرر أن يخوض الانتخابات القادمة بمنهج جديد يقوم علي منع أعضائه الذين لا يرشحهم الحزب من خوض الانتخابات كمستقلين «أو مستقلين علي مبادئ الحزب الوطني كما كانوا يعلنون في الانتخابات السابقة»، ولتحقيق ذلك أقام ما يسمي بالمجمعات الانتخابية التي تقدم لها عدة آلاف من أعضاء الحزب، وحصل علي توكيل من جميع المتقدمين يعطي الحزب الحق في التقدم بالترشيح نيابة عنهم والتنازل أيضا عن الترشيح إذا لزم الأمر، وهو ما يعني أن الحزب مطالب بتحقيق الأغلبية التي تمكنه من السيطرة علي مجلس الشعب (ثلثي المقاعد أي 296 + ثلثي مقاعد المرأة)، وقد فشل الحزب الوطني في انتخابات مجلس الشعب عام 2000 في تحقيق الأغلبية ولجأ إلي ضم مئات النواب الذين خاضوا المعركة كمستقلين إلي هيئته البرلمانية ليضمن أغلبية الثلثين وتكررت نفس الظاهرة عقب انتخابات مجلس الشعب عام 2005، من هنا فالمؤكد أن الحزب الوطني وحكومته سيعتمدان التزوير بصورة سافرة وعنيفة ليحققا الأغلبية المطلوبة من خلال مرشحيه الرسميين، بعد أن فقد ورقة «المستقلين علي مبادئ الوطني». وسيواجه في هذه الانتخابات منافسة قوية من أحزاب الوفد والتجمع والناصري والغد والكرامة، ومن جماعة الإخوان المسلمين، ومن المستقلين، وحتي من الأحزاب الصغيرة الأخري. فالتجمع يخوض الانتخابات بأكثر من 70 مرشحا، والوفد بأكثر من 150 أو 200 مرشح، والإخوان المسلمين بحوالي 150 مرشحا. وتجمع هذه الأحزاب والقوي السياسية أن معركتها لن تدور فقط من أجل الحصول علي مقاعد مجلس الشعب القادم، وإنما أساسا من أجل فتح الطريق أمام التغيير وكشف التزوير وهزيمته ومواصلة معركة توفير الضمانات لانتخابات حرة نزيهة وطرح برامجها للتغيير السياسي والدستوري الديمقراطي ومن أجل تحقيق برامجها الاقتصادية والاجتماعية. وأعلن التجمع تحديدا أنه سيواصل معاركه قبل وأثناء وبعد الانتخابات من أجل تعديل الدستور وتقليص هيمنة السلطة التنفيذية علي باقي السلطات وتقليص السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية والتحول من جمهورية استبدادية إلي جمهورية برلمانية ديمقراطية، ومحاربة الفقر والبطالة والفساد.. إلخ، وسيعتمد في ذلك علي النزول للشارع وتوزيع البيانات وعقد المؤتمرات وتنظيم المسيرات السلمية والوقفات الاحتجاجية، وسيدعو أحزاب المعارضة والحركات الاحتجاجية السياسية لمشاركته في هذه المعارك الجماهيرية. وإذا تحقق ذلك بالفعل فسنشهد عنفا من جانب السلطة ورجال المال المتحالفين معها، مما قد يستدعي عنفا مضادا من قوي سياسية أخري كالإخوان المسلمين، خاصة والجماعة تتصرف في ضوء ما يتردد بقوة عن وجود قرار سياسي أمني بإسقاط الإخوان ومنعهم من دخول البرلمان بأي ثمن. والسؤال الملح.. كيف ستتصرف الأحزاب المدنية الديمقراطية في مواجهة هذه الأخطار المحدقة بالانتخابات وبالعملية الديمقراطية كلها؟