حلم أبوزيد «حلم أبوزيد» هي المسرحية الأخيرة للروائي والكاتب المسرحي النشط «صلاح عبدالسيد» يجمع الكاتب في مسرحيته الجديدة بين الفكر والفرجة، فثمة حلم يراود الجماعة وتبذل الجهود من أجل تحقيقه وهو الطلوع إلي نخلة السماء شوقا للخروج من الراهن البائس الذي تحول البشر فيه بسبب القمع ومحاصرة الطفولة إلي «بتوع»، حيث يجري نهب كل شيء وبيع كل شيء حتي ليبدو الفساد كأنه ظاهرة طبيعية، والطفولة ببراءتها هي نقيض كل هذا التشوه، فرفاعة يحلم أن يبقي طفلا طول العمر، وحين يسأله عطية، وهو البطل الرئيسي في النص. مش عايز تكبر يا رفاعة، يهز رفاعة رأسه بالموافقة، ومش عايز تكبر ليه؟ يرد: علشان الكبار وحشين، فيقول له عطية الذي يتقمص فيما بعد شخصية أبوزيد: الحلم ده ما يقدرش عليه غير نخلة السما يا رفاعة، لو قدرت تطلع علي نخلة السما وتوصل للرطب هتفضل طول العمر طفل. ويظل الحلم ينادي أهل الواحة التي تذكرنا بفيلم «البداية» ل «صلاح أبوسيف» و«لينين الرملي» الذي يحكي بداية نشوء المجتمع الطبقي، والملكية الخاصة للإنتاج ووسائله. يختار «عبدالسيد» قالبا مسرحيا شعبيا يتلاءم مع طبيعة الحلم حيث يقود عطية أطفال الواحة وكبارها إلي الانخراط في اللعب، واللهو كما يسميه الناقد المسرحي الألماني نيكولاوس موللر - شول، والذي يعرف مجتمع اللهو علي النحو التالي: إن الحاجة إلي التخفيف والترويح عن النفس تنمو وتزيد في ظل الأزمات الاقتصادية، حيث يتحول الضحك إلي صمام لتنفيس العنف المتراكم، واستنادا إلي التفسيرات القديمة مثل كوميديا «شارلي شابلن» يمكن أن نري في هذه الظواهر المذكورة نوعا من الهروب إلي مرحلة الطفولة أو إلي التأخر والرجعية. ويعود مفهوم التأخر والرجعية هنا إلي تلك النزعة الهروبية نفسها التي ينمو في ظلها حلم العودة إلي ماض وهمي ونستطيع أن نتعرف في هذا الصدد علي نماذج لتلك العودة الوهمية إلي عصور تصور البعض أنها كانت ذهبية مثل الدعوة لاستعادة الخلافة الإسلامية وفي النص الذي بين أيدينا ممثل لهذه الجماعات التي تستعد للقفز علي السلطة. ويضيف الناقد الألماني مبررا حدوث هذا الهرب بأنه لم تتبق أي طريقة أخري من طرق الهروب القديمة لا الهجرة ولا الثورة ولا الرفض والاعتراض باسم نظام آخر معين، ويمكن أن نعتبر مصطلح مجتمع اللهو مرادفا للإزاحة والنسيان والكبت والتي تنشأ في لحظات الفشل فقط. ينطلق «صلاح عبدالسيد» ضمنيا من لحظة فشل وأي فشل من لحظة فقدان الأمل الذي نعيشها وتقوده لوعة العجز لاستدعاء شخص مخلص فيأتي رفاعة في نهاية المسرحية من الخارج بعد ألف سنة من الغياب لاعبا علي أسطورة القيام والمهدي المنتظر وذلك في مواجهة القمع الذي يدفع بالطفل إلي الاختفاء، أي اختفاء الروح الإنسانية لأن الطفولة هي إنسانية البشر وحلمهم الصافي. يقول رفاعة لياسمينة التي انتظرته ألف عام:« كل الشنط دي فيها بكره، فيها العلوم اللي توصلنا لبكره، فضلت في بعثتي طول السنين اللي فاتت أدرس وأتعلم وأستوعب وأجمع العلوم لجل الساعا دي. ويطرح الكاتب من خلال تقنيات جذابة تطور مفهوم الفرجة ولعب علي مفهوم اللعب كتحرر يطرح كل القضايا الكبري التي ينشغل بها البشر في بلدنا، حول الإخفاق وهل هو من الداخل أم من الخارج «السهم من بلدي واللا من التانيين» كما أن هناك المثقف المعزول الذي يدافع عن فصل الدين عن الدولة وعن السياسة وتستخدم لغة شعارية معقدة حتي يصبح صوت العلم والوعي النقدي منفردا وغريبا لتنصر في خاتمة المطاف النزعة التقنية حين يأتي المهندس حاملا أدواته دون دور للمثقف. ورغم أن «عطية» يعين نائبه لرئيس الوزراء في حكومة الأطفال التي شكلها فإنه يسوق مجددا الفكرة القديمة المتكررة عن المرأة كرمز للغواية منذ أغرت حواء آدم بأكل التفاحة المحرمة إذ تكون «زعنونة» سببا في انهيار عطية، كذلك هناك تصورات رومانسية عن الجماهير التي يجري تنميطها في الحشد الكبير الذي لا معالم له. نحن أمام نص ممتع وشائك وسبق للمخرج جلال الشرقاوي أن اختاره ليخرجه، ولا يعرف أحد لماذا يتعثر هذا الحلم الطفولي الجميل في طريقه إلي المسرح حيث يمكن أن يصبح عرضا موسيقيا جذابا ومثيرا للفكر.